كتاب الجرح من لقّاطات الغسيل إلى “أبو منجل”.. سلام حلوم يُساءل الموت في “الأسود ليس لوناً”

حسام ميرو
يترك الشاعر سلام حلوم الأمر مفوّضاً للقارىء، كي يعيد معه إذا ما أراد كتابة عنوان آخر لمجموعته “الأسود ليس لوناً”، وهو الأمر الذي سيكتشفه القارىء بشيء من اللذّة والتورّط المؤلم والجميل، بعد قراءة قصائد المجموعة، خصوصاً أن الأسود “يكبس على الأضلاع كصخرة، كلما هبط الليل”.
من دون أي ادعاء، يمكن إضافة صفة آخرى للمجموعة، عدا عن كونها مقترحاً جمالياً، أن تكون أدب رحلة، أو باباً من أبواب كتابة النبات والحيوان والشيء على هيئة حياة جديدة، في ذاكرة مستعادة من هناك، هناك الذي لن يعود بفعل الحرب/ الموت.
ولا يبقى أمام رؤية الموت، الذي غابت هيبته ووقاره وأخلاقه ربما، حيث تحول في المشاع السوري إلى أكولٍ نهم، غير مناشدته أن يُبقي على ما يدلّ على الموتى أنفسهم، وهو في طريقه إلى وليمة أخرى.
يقول سلام في قصيدة:
ما لهذا الموت؟!
لا يشبع
تركنا له الزيتون العتيق
أن خذ ترابه جبانة لك
والجذع لتجّار الفحم
واترك لنا ولو أغصاناً عوجاً
لا لنعقدَ عليها خرقة استسلام
فلا شيء أبيض غير الأكفان
بل لكي تؤشّر الأمهات مطارح أكبادها المدفونة
فربّما ضاع تحت هذا الوحل المشاع رُفات”.
لكن على الرغم من حضور الموت باسمه، أو بظلاله الكثيرة، فإن الشاعر يُعيد تعريف العمران الذي لم يسلم هو الآخر، مفسراً سوسيولوجيا العمران، التي تبدأ من الأشياء البسيطة العادية المألوفة، والتي تصبح مع الوقت متن الحكاية، لا هامشها:
“نحن لقاطات الغسيل
قد لا نملاً العين
لكننا، في وسواس العمران
لا سكن إذا لم يمرّ من هنا
من تحت آباطنا
نحن لسنا على الحبال سلحة عصفور
أو ريشة تتعلّق حتى يمرّ المهبّ
نحن الجيران الخرس
نحن المدمنات، شمّاً، على دواء الغسيل
نحن من يجيد بمهارة تراسل الحواس الستّ
نعرف هذي الثياب لمن؟”
طائر أبو منجل، المعروف ب”عنز الماء”، النادر، الذي تعرّض للانقراض في بادية تدمر، بسبب الحرب، وهو أيضاً طائر مقدس لدى بعض الشعوب القديمة، لكن لم يبقَ منه سوى ثلاثة أو أربعة في سوريا، ربما لم تعد موجودة، وربما لن يبقى من أثر هذا الطائر سوى حكايات في “بادية الحمّاد”، مثلما لن يبقى ربما من سيرة حياة الطيور السورية المهاجرة سوى حكايات قليلة أيضاً، قد لا يرويها أحد:
“من أين لك هذه السمحة الزرقاء على الجبهة والحاجب؟
كيف لهم أن يصلوا إليك؟
ألم يقل المتقاعدون في المحميّات:
لقد انقرض..
كما كل الطيور التي تُحلق على نحو مستقيم
ولم يبق منه غير الحكايا في سهرات الحمّاد”.
“الأسود ليس لوناً”، ليس مجوعة شعرية تجمع قصائد إلى بعضها البعض في كتاب، بل هو كتاب، فيه قصيدة واحدة موزعة على مقطوعات، وحكاية واحدة هي “جرح حرب مفتوح، اسأل أمهر الجرّاحين، سيظل مفتوحاً، طالما هي فاغرة شدقيها، تلوك الأرض”.
الكتاب في 138 صفحة، من القطع المتوسط، صادر عن “دار موزاييك للدراسات والنشر”، في 2021، ومهدى “إلى حسين برو، صديقي منذ الحبر الأول”.