السّلام
يُشكّل السّلام حالياً هدفاً استراتيجياً للعديد من المشاريع الإنسانية بتلوناتها الاجتماعية، والثقافية، والسّياسية. فالسّلام كمفهوم يكاد يأخذ الآن موقع البديهية في الفكر الإنساني. وعبر مسيرة تطوّر الفكرالبشريّ، والنظام المعرفيّ، يقترب هذا المفهوم شيئاً فشيئاً من عالم القيمة ليصبح السّلام أقرب إلى حكم القيمة منه إلى المفهوم، حيث نستطيع بدلالته بناء مواقف نقدية من مشاريع وأفكار تحمل في خطابها تناقضاً مع قيم السّلام وتحريضاً على النّزاع والكراهية.
إنّ السّلام كقيمة وهدف أكثر وضوحاً في المشاريع الثقافية، وفي الخطاب الثقافي منه في المشاريع الاجتماعية والتي بدأت مؤخراً بتبنّي قيم السّلام في خطابها، وبدأت ترسم سياساتها على أُسس استراتيجية السّلام، ومحاولة تبنّي خطاب إنسانيّ، والعمل عليه. ولكنّه لم يزل غائباً عن أغلب المشاريع السّياسية التي ماتزال تتبنّى الصّراع كمكنزم أساسي في إنتاج خطابها السياسيّ، حيث أنّ معظم هذه المشاريع ماتزال ترى في الصراع محركاً للتاريخ، وأحد أهم عوامل النّمو والتطوّر،بل وتعتبر الصّراع أكثر أصالة في التجربة البشرية من السلام. إلاّ أنّ النّزوع البشري نحو السكينة والهدوء شكّل مستقراً لكلّ الصراعات ومخمّداً لها.
يشترط نموّ أيّ مشروع سياسيّ يتبنّى النفع العام، ويتبنّى آليات إنتاجه، وجود بيئة مناسبة وضامنة لهذا المشروع، ويُشكّل السّلام مناخاً ملائماً، وبيئة ضرورية لتلك المشاريع السّياسية، والتي بدورها تُساهم في تعزيزه وبناءه ضمن جدلية توالدية، بينما يُشكّل الصراع بيئة ومناخاً خصباً للمشاريع السياسية الاستئثارية، والتي تلعب على وتر الغريزة والقطيع لعجزها البنيويّ على حمل النّفع للمجتمعات والأفراد، إذْ تُعدّ البيئة الصّراعية العنفية بيئة صالحة لديمومة تلك المشاريع، وكلّما تصاعد الصراع وتصاعد معه خطاب العنف والكراهية، اتسعت قاعدة هذه المشاريع وتوسعت، وهي تسعى غالباً لتنمية الصراعات وتصعيدها بغية زيادة رصيدها السّياسي.
وفي مجتمعات ماتزال ترزح تحت وطأة صراعات مركبة ومعقدة لها طابع إقصائيّ عنفيّ، وفي ظلّ مناخ عالميّ عام يبرّر للأقوياء الاستثمار في الصّراعات والنّزاعات العنفية المحلية لتحقيق أهداف ومكاسب على حساب المجتمعات الضعيفة والناشئة، يغدو السّلام في هذه المجتمعات ضرورة خلاصية لتهيئة الفضاء العام لعملية البناء والتنمية وللخروج من الوصاية والاستنزاف.
ولكن، هل هناك سلامٌ مطلق سلام غير مشروط بلا محدّدات ولا نواظم؟
لقد شكّل الحقّ حدّاً للسّلام لم يستطع تجاوزه، إنّ السّلام عبر تاريخه محدود بالحقّ والحقوق هي البوابة الواسعة لسلام مستدام.
يرى الحزب الدّستوري السّوري (حدْس) في السّلام هدفاً وضرورة، وهو البيئة الضامنة لأي انتقال سياسيّ يُحقّق قيم الدّيمقراطية والمواطنة والتنمية المستدامة. فالحرب والصرعات العنفية هي انتهاك للوجود الإنسانيّ برمته، ولا يمكن الحديث عن الكرامة الإنسانية ومشاريع البناء والنموّ في البيئة العنفية، ولابدّ من تحقيق السّلام عبر عملية بناء صحيحة ومتينة. فالسّلام المؤقت هو هدنة بين حربين، ولذلك يرى الحزب أنّ عملية بناء السّلام تحتاج لاستراتيجات تشمل كافة النواحي، من استئصال خطاب الكراهية والتمييز، إلى استنفار قوى المجتمع الحية والتي تُشكّل موارداً لسلامٍ مستدام.