مبادئ الحزبوثائق وبيانات

التنمية

يعدُّ مفهوم التنمية مفهوماً حديثاً نسبياً، وقد ارتبط منذ أوائل تسعينات القرن العشرين بمفهوم الاستدامة، فأصبحت التنمية هي بالضرورة التنمية المستدامة، فما هو مهم، ليس فقط تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة، بل أيضاً قدرة الأجيال في المستقبل على الوفاء بمستلزماتها.

إن جوهر التنمية المستدامة هو تحقيق الإنصاف والعدالة، ولها أبعاد ثلاثة: اقتصادي، واجتماعي، وبيئي، كما أنه لم يعد من الممكن عملياً الفصل بين التنمية والنظام السياسي المؤسس على قاعدة الديمقراطية، ومؤسسات الدولة التي يشرف عليها نظام حوكمي متطوّر، خصوصاً فيما يتعلق بنظم المحاسبة والمساءلة عن إدارة الموارد، وإشراك المجتمع المدني.

وتشكّل دولة المحسوبية، القائمة على الريع الوظيفي، عائقاً أمام تحقيق مشاريع التنمية المستدامة، وهو ما ينطبق على حال الدولة السورية خلال حكم البعث، حيث آثر النظام السياسي الحاكم الاعتماد على موارد ريعية عبر سياساته الخارجية، مع مركزية شديدة في إدارة الاقتصاد والخدمات، وهو ما أدى عملياً، وبشكل تراكمي، إلى تهميش العديد من المناطق والمدن، ولقد كان واضحاً خلال الانتفاضة السورية أن تراكم النقمة، نتيجة غياب الإنصاف والعدالة في التنمية قد كانت أحد الدوافع الرئيسة وراء الانتفاضة، كما كانت كتّل المهمشين وقوداً في الصراع.

إن خروج الوطن السوري من زمن الحرب إلى زمن السلم لا يعتمد فقط على الحلول السياسية، فهي مدخل إلى زمن جديد، من أجل تفكيك منظومات العنف والاستبداد، لكنها ستبقى حلولاً قاصرة إذا لم تأخذ بالحسبان حاجة البلاد إلى التنمية المستدامة.

إن تحقيق الحدّ الأقصى من التنمية المستدامة يعتمد على الإدارة المثلى للموارد: المالية، البشرية، الطبيعية. وقد بات مؤكداً في ظل المآلات الكارثية التي وصل إليها الوطن السوري أن تلك الموارد هي في أسوأ حالاتها، فقد استنزفت الموارد المالية الأساسية للاقتصاد السوري، وتراجعت القيمة الشرائية للعملة الوطنية، كما أصيبت الموارد البشرية بخلل بنيوي، فقد ذهب مئات الآلاف من المواطنين ضحية الاقتتال، وهاجر خارج البلاد الملايين، والذين تشكّل الفئات الشابة والفتية معظمهم، بالإضافة إلى خيرة الكوادر الوطنية في شتى المجالات.

أما الموارد الطبيعية، فهي الأخرى في وضع كارثي، مع تقلّص المساحات المزروعة، وتعطّل الكثير من المشاريع القائمة على إدارة تلك الموارد، أو أن بعضها يعمل ضمن شروط الحدّ الأنى، كما عانت قطاعات رئيسة بشكل مباشر جراء الاقتتال، مثل آبار النفط في الشمال السوري، فضلاً عن الموارد المائية، والثروة الحيوانية.

لقد تقلّص قطر دائرة الإنتاج، نتيجة توزع السيطرة الميدانية، إلى حدوده الدنيا، وفقدت حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد مصانعها الكبرى، كما أن خسائر البنية التحتية السورية، من طرقات، وعمران، ومبانٍ خدمية، وصلت إلى مئات البلايين من الدولارات.

إن حزبنا، وهو يخوص نضاله من أجل انتقال سورية، ونظامها السياسي، إلى أفق جديد، يقوم على الديمقراطية والعلمانية والمواطنة، فإنه يضع مسألة التنمية المستدامة كأحد مرتكزات نضاله، من أجل بناء دولة عصرية، تحقق الإنصاف والعدالة لجميع أبنائها وبناتها، في مختلف مناطقهم على خارطة الوطن السوري، وإنهاء دولة المحسوبية، وما يترتّب عليها من أدوار سياسية خارجية، والبناء على ما تمتلكه سورية من مقومات طبيعية وبشرية، والعمل على استثمارها لمصلحة إعادة إعمار الوطن السوري، ونهضته، كما يستحق أن يكون، لقناعتنا الراسخة بأن جوهر العمل السياسي المعاصر، كما جوهر التنمية المستدامة، يستهدفان الإنسان،، بما يؤدي إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي، ودخول العصر الذي نعيش فيه، والإسهام في منجزاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق