أخبار سوريةمال و أعمال

انهيار دراماتيكي لليرة يثقل كاهل الشعب السوري

محمد عيد – حدْس

تكاد لا تُذكر المحطات التي كان بها الاقتصاد السوري في حالة  من الانتعاش،  فأغلب المراحل الذي مّر بها، كانت حرجة للغاية، وانعكس تأثيرها السلبي، بصورة مباشرة على الشعب السوري وعلى دخله وقدرته الشرائية التي تآكلت، نتيجة حالة التضخم الكريه، حين فرضت إيقاعها بشكل صريح وواضح خلال العام الجاري. وتوازياً، مع بدء سريان  قانون قيصر.

إلا أن تراجع قيمة الليرة السورية الكبير، وخاصة  في أيامنا هذه، لم يكن سببه الرئيسي قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا منذ بداية الحراك الشعبي عام 2011 ، بل كان له مجموعة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي قادتها إلى هذا  الانهيار، ما نتج عنها آثاراً اقتصادية واجتماعية خطيرة، كان أبرزها تراجع دخل الفرد الحقيقي، علاوة على زيادة الطلب على القطع الأجنبي الرسمي وغير الرسمي، وعدم توفره داخل  السوق أو في القنوات المصرفية الرسمية.

الجذر الرئيسي لانهيار العملة المحلية، لا يمكن إرجاعه إلى انقطاع الدعم الخارجي للنظام أو في تصارع رجال السلطة، كقضية رامي مخلوف التي أثيرت مؤخراً، بل هذا الجانب يعتبر سبباً من بين مئات الأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار المريع، كما تعتبر إغلاق المصارف اللبنانية وتوقفها عن الدفع بالدولار، من الأسباب المهمة التي دفعت الليرة السورية إلى الانهيار، بعد قطع  طريق تحويل العمال السوريين أموالهم إلى ذويهم في الداخل، وقد تسبب هذا في تراجع توفر الدولار في السوق لتلبية الطلب عليه.

إضافة إلى ما سبق، فإنّ المصرف المركزي وعلى لسان حاكمه، أكد بشكل صريح وواضح بداية العام الجاري، على عدم قدرة المصرف ضخ أي دولار في السوق، ما سبب هزة عنيفة في السوق، في وقت يحاول  التجار وبعض المتنفذين، الحصول على الدولار ولو بسعر يتجاوز 4 آلاف ليرة، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد، والتخوف من تفاقمها، بعد المباشرة بتطبيق قانون قيصر.

إلا أن الأسباب آنفة الذكر، تعتبر نتائج، لمقدمات رئيسية، ساهمت في تدهور قيمة الليرة، والتي تنصبّ أبرزها بتراجع القدرة الاقتصادية والإنتاجية لسوريا، حين تقلصت الكتلة السلعية والخدمية، وعلى الأخص من خلال تراجع الإنتاج الزراعي (النباتي والحيواني)، والإنتاج الحرفي ومنتجات الصناعة التحويلية، ما أدى إلى زيادة الاستيراد لتلبية احتياجات المواطنين، أي زيادة الطلب على القطع الأجنبي، إما من احتياطي المصرف المركزي أو من الاستنزاف للمخزون الوطني من القطع الأجنبي، علاوة على التراجع الشديد في إيرادات قطاع السياحة، وشدة الطلب على القطع الأجنبي لغايات حماية المدخرات أو الاكتناز  بالقطع أو الذهب، والابتعاد عن الليرة السورية.

هذه الأسباب وغيرها، تعكس التسلسل الزمني والدراماتيكي  لتاريخ تراجع قيمة الليرة السورية، فمنذ عام 2011 مع بداية الأحداث وحتى تاريخنا هذا، نجد أن الخط  البياني لليرة السوري، في تراجع سريع،  فمن سعر صرف مقداره 48 ليرة لكل دولار، في نهاية عام 2010 ، بدا واضحاً أن القيمة السوقية لليرة بدأت تتآكل  لتسجل انخفاضات متعاقبة ولم يغلق العام 2011 أبوابه حتى بلغ سعر صرف الدولار الواحد 59 ليرة سورية، أي بخسارة قدرها 19% بعد أن كان سعر صرف الدولار نحو 46.5 ليرة قبل عام 2011، و لتستقبل سوريا بعد عام مزيداً من الخسائر الاقتصادية ووصل سعر صرف الدولار الواحد نهاية 2012 لحاجز الـ 70 ليرة، أي بانخفاض يقدر بنحو 50%.

وفي العام 2013، شهدت سوريا أحداثاً مفصلية، أبرزها التهديدات الأمريكية بضربة عسكرية، بعد اتهام النظام باستخدام السلاح الكيماوي في قصف الغوطة الشرقية، ونتج ذلك تهريب الكثير من الأموال إلى الخارج، فبعد أن   كان سعر الصرف في آذار مارس للدولار الواحد 120 ليرة، ارتفع إلى 240 ليرة لكل دولار في إكتوبر، ليتدخل البنك المركزي في السوق ويسمح ببيع الدولار لشركات الصرافة حتى تبيعها للمواطنين، وفي نهاية عام 2013 وصل سعر الصرف إلى 163 ليرة سورية، ولم تصمد إجراءات البنك المركزي، بل ظل سعر الدولار يرتفع ويهبط، ووصلت قيمة الليرة نهاية عام 2014 إلى 218 ليرة مقابل الدولار، وخلال العام 2015 استمر هبوط الليرة وتضاعفت الأسعار بنحو 700% وربما أكثر في عموم أرجاء البلاد،  ولم يغلق العام 2015 أبوابه حتى تجاوز الدولار الواحد حاجز 380 ليرة.

أما في عام 2016 فشهدت قيمة الليرة انخفاضاً كبيراً وصل حدود 650 ليرة لكل دولار، حيث بدت ملامح الانهيار الاقتصادي واضحة بعد الخسائر العسكرية للنظام على الأرض، وخروج الكثير من المناطق عن سيطرته، وبعد تدخل القوات الروسية بشكل مباشر إلى جانب قوات النظام، لم يحصل أي انخفاضات تذكر على قيمة الليرة، إلا بعد تدخل المصرف المركزي مرة ثانية في شهر يونيو حزيران من عام 2016 وعاد الدولار إلى حاجز الـ 400 ليرة.

لكنّ الليرة لم تصمد طويلاً، حيث عاود سعر الصرف الارتفاع ليصل بداية شهر تموز يوليو إلى حاجز الـ490 ليرة، ثم تحسنّ سعر الليرة عام 2017 مقارنة بالعام الذي قبله، ليتفاوت السعر عند عتبة 500 ليرة، قبل أن يتحسن أيضاً في العام  2018، ويسجل بين 445 و420 ليرة للدولار الواحد، إلا أنه سرعان ما ارتفع  في الربع الأول من  العام 2019 ليصل إلى 550 ليرة للدولار الواحد، وسط ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة جداً.

ولم يصمد هذا السعر طويلاً، ووصل إلى مستويات قياسية في شهر ديسمبر كانون الأول عام 2019، وتجاوز 920 ليرة سورية، ومع دخول العام الجاري 2020 بدا سباق تدهور الليرة السورية يتخذ شكلاً تراجيدياً سريعاً، حيث انخفضت قيمتها بشكل متسارع، ليصل سعر الدولار إلى 1300 ليرة، ثم تبع ذلك انخفاضات متتالية بلغت معها قيمة كل دولار نحو 3 آلاف ليرة. 

بالمحصلة، يبقى الحل في إطار الأمنيات، ما لم تتوقف الأعمال العسكرية في سوريا، وعودة دورة الحياة الاقتصادية داخل البلاد، من خلال تقديم الدعم الخارجي، وإعادة الإعمار، كما أن مصادرة الأموال لكبار المتنفذين داخل النظام، وضخّها في السوق، سيخلق مطارح استثمارية جديدة، تسهم في عودة عجلة التنمية الحقيقية ولو بشكل جزئي في المرحلة المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق