أخبار سورية

سوريا بعيداً عن قال تعالى

حسام ميرو

في محاضرة ألقيتها مؤخراً حول العلمانية عبر تطبيق (go to meeting) قال أحد المستمعين: “إن أهل الكتاب لهم معاملة خاصة في الإسلام، والجزية نوع من أنواع الضريبة، وكل البلاد الأوروبية فيها ضريبة”.

بعيداً عن قصة الأجندات الدولية، يمكن لنا أن نعد اليوم قائمة بالدول الفاشلة في الشرق الأوسط، حيث لا يزال الممثلون السياسيون للعقائد الدينية يتحكمون بجزء كبير من المصير السياسي والإنساني في بلاد لم تعد بلاداً، وليست وحدها الأخبار والمقالات والتحليلات تفصح عن المشكلات والإشكالات الكبيرة الناجمة عن تحكم رجال الله على الأرض بالحياة، بل أيضاً الروايات التي تحدثت عن امتلاك الحقيقة من قبل ملل أو أحزاب أو فصائل مسلحة دينية، رأت في مخالفيها كفاراً وشياطين، وأباحت لنفسها الاعتداء عليهم، وربما كانت رواية “عدّاء الطائرة الورقية” للكاتب الأمريكي من أصل أفغاني، أحد تلك النماذج التي توضح كيف أسهمت الرؤى والحركات العقائدية/ المذهبية في تفتيت بلده أفغانستان.

في لبنان المجاور، ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، أصبحت الحرب الأهلية/ المذهبية واقعاً. لم ينجز “اتفاق الطائف” في عام 1989 إلا هدنة، دامت بصعوبة ثلاثة عقود، لكن بفضلها لم يعد لبنان دولة، بل جغرافيا محكومة بتوازنات الطوائف وداعميها الخارجيين، ولم يذهب العراق إلى سيناريو أفضل بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

اقتتال شيعي سني في العراق، وكلا الطرفين لديه: قال تعالى.
كم أريقت على مذبح الاقتتال الطائفي في العراق من سورٍ وآيات، أما الضحايا فشعب كامل، ليس فقط من قتلوا بالتفجيرات والمعارك، بل الذين أفقروا، والذين هاجروا بحثاً عن أوطان جديدة، في بلد أنجب علماً وفكراً وفناً وأدباً، لكنه أيضاً أنجب طاغية اسمه صدام حسين، ترك وراءه بلداً باحتلالات مباشرة وغير مباشرة، وطبقة سياسية طائفية، نهبت ثرواته، وحولته إلى أرضٍ تكاد تكون خاوية من ممكنات للنهوض.

رغم كل الفشل، يصر الإسلاميون على حمل البندقية بيد والكتاب بيد أخرى، لم يكتفوا بكل الفشل الذي منيت به كل تجاربهم، وتحولهم إلى مطاردين تحت بنود لوائح الإرهاب الدولي، ومع ذلك مستعدون للركوب على أي تغيير.
في سوريا، سرقوا ثورة شعب، ثورة صبايا وشباب حلموا بمستقبل بلا طغاة، ببلد الحريات، بلد بلا أسود أو ضباع، سرقوها وحولوا كل شيء إلى قال تعالى.

كلما حدّثت أحدهم عن المواطنة والديمقراطية قال لك: بيننا صناديق الاقتراع، معتقداً بأن “السنة” السوريين في جيبه السياسي، سيصوتون لدستوره وقوانينه، ومعتقداً بأن الحقوق الفردية تخضع للتصويت والاقتراع، بينما أصبحت الحريات الفردية في العالم المتقدم كله جزءاً من متن الدساتير، بل في مقدمتها، ولا يمكن للحكومات المتعاقبة أن تلغيها، أو تطرحها للاستفتاء العام.

ليست المواطنة، ولا يجب أن تكون، قضية خاضعة للتصويت والاقتراع، وإلا فإننا سنحكم من الماضي، من أرض العقائد، من أساطير التفوق الديني، أو المذهبي، أو الجنسي.

هل يمكن للمواطنة وللنصوص المقدسة أن يجتمعا؟
لا أبداً، ينبغي على السوريين الحالمين ببلد المساواة أن يقفوا ويعملوا، ليس فقط من أجل إزالة نظام الاستبداد، بل منع أي استبداد مستقبلي، وتحت أي شعار كان، فلا نص مقدّس بين السوريين، في بلد فيه أعراق وملل متنوعة، لكلّ منها نصّه ومقدّسه.

لا تقف العلمانية ضد الإيمان، بل تحميه، لكنها تقول بوضوح وللجميع: لا شأن للنصوص المقدسة بالدولة، فحين تصبح الإشارة الضوئية حمراء فإن كل السيارات يجب أن تتوقف، بغض النظر عن دين صاحبها وملته، وحين يقرر رجل وامرأة أن يتزوجا فلهما كل الحق، بغض النظر عن دينهما وطائفتهما.
يعلم السوريون أن معظم من حملوا السلاح في الفصائل الإسلامية مارسوا الطغيان والفساد، ودفعوا المجتمعات المحلية نحو أنماط حياة متأخرة باسمه تعالى.

سوريا الممزقة والمنتهكة، سوريا التي كانت حلم التغيير في عيون قسم كبير من أبنائها وبناتها، سوريا التي لا ينبغي أن تكون أرض اعتقال تحت أي مسمى، أو نص، بل أرض لجميع مواطناتها ومواطنيها.

كفى استغلالاً لقال تعالى، اتركوه في قلوب المؤمنات والمؤمنين، أما الدساتير والحكم والاقتصاد فكلها توافقات من صنع البشر، ولمصلحة البشر.

تقييم المستخدمون: 3.08 ( 3 أصوات)
الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق