أخبار سورية

كيف يطال قانون “قيصر” الشعب السوري؟

محمد عيد – حدْس

أجزم أن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها سوريا هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخها الحديث، لاسيما أنها تأتي بعد 9 سنوات من حرب طاحنة، دمرت البشر والشجر والحجر، ليدخل قانون “قيصر” الأمريكي حيز التنفيذ، بهدف الضغط على النظام وحلفائه، في ظل تساؤلات عديدة، عن الآثار التي يمكن أن يتركها هذا القانون على الاقتصاد السوري والمواطن العادي.

إلا أنّ الحقيقة الثابتة، أن تأثيرات “القانون” لا يمكن فصلها عن حياة الشعب السوري، وخصوصاً أنّ جميع المؤسسات الاقتصادية تبقى تحت إشراف مؤسسات النظام، وهذه المؤسسات هي جزء من الحركة الاقتصادية التي ترتبط بالمواطن ارتباطاً وثيقاً ومباشراً.

ورغم أنّ القانون الجديد يُعفي واردات السلع الغذائية الضرورية وغيرها من ضرورات إنسانية، لكنه يُشدد المراقبة على مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الأهلية لضمان عدم استفادة الحكومة السورية منها، كما يستثني القانون مواد الإنتاج كالأسمدة والبذور، والآلات المرتبطة بالزراعة والصناعة، وكذلك الاحتياجات الاستهلاكية والدوائية، وتلزيم هذه الاحتياجات إلى مؤسسات القطاع الخاص بعيداً عن النظام.

السؤال اليوم، هل يمكن فصل القطاع الخاص السوري عن مؤسسات النظام؟ باعتقادي القضية مركبة ومعقدة، في هذا الجانب، لأن من يمثل القطاع الخاص، هم جزء رئيسي من رجالات النظام الذين سيتلاعبون في هذه النقطة على حساب قوت الشعب، بعيداً على ماذا يركز القانون، سواء على مؤسسات النظام أو الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، لذلك تبقى المشكلة في التطبيق.

هناك نقطة ثانية، لا تزال مثار جدل، تُشكل العمود الفقري لمئات الآلاف من العائلات السورية في الداخل، وهي الحوالات الخارجية، التي يُرسلها الأبناء المهاجرون أو اللاجئون من السوريين إلى عائلاتهم، ويمكن اعتبار استمرار هذه الحوالات أنها الحصاة التي تسند الجدار المتبقي من أمعاء السوريين الخاوية، فالقانون في جزء من تفاصيله، ينص على متابعة الحوالات التي تخرج من السوريين، وفي هذه الجزئية، ربما سيقول أحدهم إنّ التعاملات المالية ستكون موجهة فقط للتعاملات مع النظام ومؤسساته ولن تشمل الأفراد، إلا أنّ الأيام الماضية مع سريان تطبيق القانون، شهدت أمثلة متعددة على توقيف الحوالات للسوريين، وليس الموجهة فقط من الخارج إلى الداخل، بل شملت حوالات السوريين فيما بينهم في الخارج، كما أن الحوالات في حال استمرارها ودخولها عبر قنوات شركات التحويل المالي، فإن السعر الحقيقي لقيمة الليرة لا يعكس قيمتها السوقية الحقيقية، فشركات الصيرفة المرتبطة ارتباطاً عضوياً بالنظام تجني مرابح من التحويل يتجاوز نسبة 50% من القيمة الحقيقية، لذلك فالتحويلات المالية التي تسيطر عليها مؤسسات النظام تستبدل العملات الأجنبية بالعملة السورية، بأسعار تحددها تلك المؤسسات، مع تجريم إجراء أي معاملات مالية بالعملات غير السورية.

كما أنّ بعض البنوك الأوروبية في الأيام القليلة الماضية، باشرت بإبلاغ أصحاب الحسابات لديها من السوريين المقيمين شرعاً، ومنذ عشرات السنين على أراضيها، أنّ حساباتهم قد أغُلقت، فقط لأنهم يحملون الجنسية السورية، رغم قانونية تواجدهم في أوروبا وغيرها، وتالياً هل ندرك حجم الضرر الاقتصادي الكبير الذي يمكن أن يسببه هكذا إجراء تجاه السوريين!
وفي نقطة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أنّه مع بداية تطبيق قانون “قيصر”، اتخذت أمريكا قراراً، لكونها تسيطر على آبار النفط في الشمال الشرقي من سوريا، وأمرت جماعة “قسد” بإيقاف توريد النفط إلى النظام، وبالتالي ستلتزم الأخيرة بالقرار الأمريكي، وهذا يعني أنّ المواطن السوري مُقبلٌ على أزمة محروقات وطاقة كبيرة، كما لا يمكن إغفال أنّ قنوات دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، ستكون عبر مؤسسات النظام الذي يرفض أن تكون تحت إشراف خارجي، وهذا بدوره سيؤدي إلى إحجام العديد من المنظمات عن إرسال مساعداتها للشعب السوري، كي لا تطالهم عقوبات قيصر.

الخلاصة.. إنّ التاريخ الحديث لديه الأمثلة كثيرة، فتاريخ العقوبات على الأنظمة، لا تحقق هدفها، بل يبقى الشعب الحلقة الأضعف، عندما تَصدُر أي عقوبات خارجية، وقانون “قيصر” لن يُوقف المأساة السورية، ما لم يكن هناك تغيير جذري للنظام ومؤسساته وبناء سوريا الحديثة.

وهناك نقطة مهمة وتساؤل مشروع في بنود قانون “قيصر”، هل حدّد القانون سقفاً زمنياً لتطبيقه في حال التزم النظام بتنفيذ الاشتراطات الستة في القانون لرفع العقوبات؟ والتي تتلخص في وقف قصف المدنيين، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وعودة المهجّرين السوريين، وأخيراً محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق