تحولات بنيوية على واقع المرأة السورية

محمد عبد العظيم
فرضت الحرب السورية تحولات كثيرة على البنى الاجتماعية التي كانت قائمة قبل 2011، من مثل العلاقات الاجتماعية، والأدوار العائلية للأفراد , و الأفراد نفسهم، كل تلك البنى تعرّضت إلى ضغط خارجي قاهر , دفعها نحو التغيّر، للتكيف مع الظروف الجديدة التي أنتجتها ديناميت الحرب وما أوجدته من بيئة جديدة، تتصف بعدم الاستقرار، وغياب الأمان، وزيادة العنف بأشكاله المختلفة , و الانهيارات الاقتصادية المتتالية، بسبب عدد من العوامل , من بينها ذهاب ميزانيات الحكومة نحو تمويل عملياتها العسكرية.
وإذا كانت المرأة، بشكل عام، هي الحلقة الأضعف في المجتمع السوري في زمن ما قبل الحرب , أسوة بأوضاع المرأة في المجتمعات العربية المحيطة، فقد اتت الحرب لتزيد هذا الواقع سوءاَ .
حيث عانت من تبعات الحرب على المستويات كافة، الاقتصادية والاجتماعية والمكانية (النزوح، واللجوء). و لفهم هذه التحولات وما تركته من آثار على واقع المرأة وموقعها في مجمل البنى الاجتماعية، هناك حاجة إلى بحث في التغيّرات الكمية والنوعية التي تعرضت لها بين زمنيّ ما قبل الحرب وخلال الحرب.
اقتصادياَ، شكل القطاع العام أداة الحكومة في سبيل التنمية، حيث تضمنت خطط الحكومة السورية في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي خططاً عديدة لتمكين دور المرأة في القطاع العام، عن طريق السياسات الحكومية المرتبطة بالتوظيف والقوانين الناظمة لعمل المرأة، من حيث التساوي في سلم الرواتب والرتب، وحازت المرأة بشكل تراكمي نصيباَ وازناَ في قطاعي التعليم والصحة، ومع ذلك، فإن حصة إنتاج المرأة في اقتصاد العائلة السورية بقيت ضمن حدود 11 %.
اثّرت الحرب على مجمل الاقتصاد السوري، وبناه الإنتاجية، كما انخفضت القيمة الشرائية لليرة السورية بشكل حاد، ولم تعد رواتب العاملات في القطاع العام، كما سابق عهدها، مهمة من حيث تعزيز دور المرأة في اقتصاد العائلة، بالإضافة إلى الأعمال العسكرية التي كان من شأنها خروج الكثير من مؤسسات القطاع الخاص من الإنتاج، وبالتالي حرمان أعداد كبيرة من العاملات في هذا القطاع من أعمالهن.
بالإضافة إلى ذلك، ونتيجة انخفاض عدد الرجال على المستوى الوطني لأسباب عدة (اعتقال , نزوح , تجنيد ‘جباري , موت، إلخ) اضطرت الكثير من النساء إلى شغل اعمال لم تكن مهيأة لها سابقاً، أكاديميا ومهنياً، في أعمال ومهن كانت حكراً على الرجال سابقاً، وهو ما جعل من النساء لطرف الأضعف في معادلة : مدير /عامل، فتعرّضن إلى أشكال من التمييز على أساس الجندر في أماكن العمل .
تؤكد الاحصائيات على ارتفاع حاد في نسبة الأرامل في سوريا ( نسبة النساء الأرامل قياساً إلى الرجال الأرامل)، حيث تصل النسبة في بعض الأحيان إلى عشرة أضعاف , ما خلق تغيرات اجتماعية حادة على واقع المرأة في المجتمع ، فاضطرت المرأة إلى شغل دور الأبوين في كثير من الأحيان لغياب الرجل الزوج، أو الأخ، محتكر الانتاج الاقتصادي سابقاً، ما جعل كثير من النساء في حال من الهشاشة الاجتماعية التي تترافق مع مستويات عالية من انعدام الأمان الاجتماعي، في مجتمع تحكمه بنى اجتماعية قديمة، لا تمنح المرأة دوراً فاعلاً في دورة الإنتاج الاقتصادي، وتعتبرها ملحقة بالرجل في هذا المجال، وفي أفضل الأحوال صاحبة دور تكميلي اقتصادياً.
دفعت الحرب أعداداً كبيرة من السوريين لترك منازلهم نحو أماكن أكثر أمنا بعيداً عن أماكن الصراع الملتهبة، ما أفقد المرأة السورية شبكات الأمان القديمة الموجودة في المجتمع من أهل وجيران وأقارب وزميلات، و أجبرت على التكيف مع الظروف الجديدة التي وجدت نفسها فيها، من مثل مراكز الإيواء، ومخيمات اللجوء، ومناطق ذات عادات مختلفة أو غير مستقرة، ما نجم عنه عدد من الظواهر الجديدة، مثل ارتفاع نسبة العنف ضد المرأة، و انخفاض نسبة الانخراط في التعليم، وزواج القاصرات، فعلى سبيل المثال، كانت نسبة زواج القاصرات بين السوريات اللواتي تزوجن في الأردن في عام 2018 حوالي 35% من مجمل الزيجات.
إن مجمل الأوضاع المتعلقة بالمرأة مرشحة لأن تزداد سوءاً في حال استمر الوضع السوري على ما هو عليه، ولا يمكن إيجاد حلول جذرية، وذات طابع مستدام، بما يتعلق بهذه الأوضاع، إلا من خلال وجود حل لمجمل القضية السورية، لكن أي حلول مستقبلية للأزمة السورية، ستتوقف في نتائجها على شكل الحل السياسي , والدستور المقبل، و آلياته التنفيذية، والبرامج الموجهة لتمكين المرأة ، ولذلك فإن إحدى المخاوف الكبرى، ما بعد الحرب، هي ترسيخ الأوضاع المجحفة بحق النساء، وعدم إيلاء واقعها أية أهمية خاصة.