يوميات لبنانية: الغدُ الجديد،موسم قطاف النجوم

فهد الحوراني
صحافي سوري
(نشرت قبل عام في “موقع بروكار”)
على الطريق بين الرينغ ، وبعبدا:
ها هي الجموع في لبنان تقطف النجوم…
وتغير وجه العالم. ببعض من أغانٍ وصرخات..
وكأن المطر لم يستطع غسل عار السلطان..
الأنشودة هذا الخريف: سقط المستحيل..
سعد الحريري. يقدم استقالته بعد أن فرغت جعبته من الخطابات والأوراق، ليغلق باباً أخيرة بوجه حزب الله ،وجبران باسيل..ومسكين عون..لا يملك إلا دراسة الاستقالة..والتوقيع.
باثني عشر يوما ..حدثت المعجزة!
لكن حذاري يا أهلي من حصان طروادة..
الشارع مازال لكم..
السماء لكم.أزرق البحر لكم..
قضي الأمر،أمرُ عمليات، من قاسم سليماني إلى بغداد،مرورا بدمشق،إلى بيروت ،دمٌ..ودمٌ..ودمٌ..
كان الأمر حاسما ،حزب الله أخذ قراراً بفتح الطرقات وفض الاحتجاجات بالقوة، فأمر شبيحته لأطفاء الشمس!
وكانت غزوة جسر الرينغ
ظل أصبع أمير الحرب الجامدة غطى لبنان
لا ثورة تُسقط ظلام القلوب
لا شمس تضيء العيون
المقاومة، فوق حريتكم،
سلاحنا،فوق رقابكم، والمحتل الاسرائيلي خائف
لا مكان للفرح، بينكم ..الوطن خيبة، والحرية أضغاث أحلام.
فبعد ظهر اليوم الثاني عشر، لانتفاضة لبنان تجمّع شبيحة حزب الله، للانقضاض على المحتجين، عند جسر الرينغ، كان حواراً بالعصي والهروات، وحرق الخيام ..وامرأة جميلة تسقط بين أقدام المغول..
لبيك يا نصر الله
لبيك يا حسين.
بعد برهة، تستطيع عناصر مكافحة الشغب، وقف مجزرة محققة.
لقد أحبطت الغزوة، والسابع من أيار ٢٠٠٧ لن يتكرر.
الحياة أقوى من الظلمة
والقيامة باتت، قريبة جداً.
في المقلب الآخر، وفي الكواليس كان سعد الحريري يلملم أوراقه من السراي، فربما لن يعود إليها مرة ثانية، وضع في جيبه استقالة حكومته مكتوبة، بأحمرٍ دامٍ، على وجه صبية جسر الرينغ..
ربما هي الحسابات في باريس، والرياض، وواشنطن وطهران، ودمشق لم تكن كحسابات البيدر في بيروت وطرابلس.
أما البيت الأبيض فمشغول بأشلاء آخر الخلفاء التي ربما لن تستسيغها الأسماك في نهري دجلة والفرات. أو حتى البحر الأسود ليس بعيداً كثيراً عن سوتشي.
وفي تل أبيب تقع أخبار ما يجري في لبنان على رأس نتنياهو كالصاعقة. فما يجري هناك خطيرٌ وتاريخي.
وصل الحريري حزيناً، وخائباً، حتى البيارتة، لن يطلبوا منه البقاء هذه المرة.
بخطىً متثاقلة يدخل رئيس الوزراء اللبناني إلى قصر بعبدا ، ليترك استقالته في درج الجنرال العجوز.
عند المساء هدأت الخواطر قليلاً، بعد اعلان الاستقالة.
بدأت الثورة المقدسة تقطف أول الثمار المرّة.
وقرارٌ من المحتجين بفتح الطرقات، بشكل جزئي لترتيب مظاهرات مركزية، لمراقبة المشهد، في الأيام المقبلة، لتجيير ما وصلت إليه ثورتهم، وتقييم الخطوات القادمة. النصر لن يكتمل إلا بحكومة من الشعب، ولفظ الطائفية إلى الأبد.
الساحات لنا
سنكمل الطريق إلى الحرية، برغيف خبزٍ يابس، وبعض الضحكات.
الشوارع مغلقة، لكن صدورنا مفتوحة للناس الطيبين.
في دمشق كان المشهد مختلفاً،
أصوات الضجيج وحجر النرد، في مقهى الكمال في الصالحية، كانت أعلى من صوت المحتجين في طرابلس.
فقط الشبيحة متشابهون في بيروت والشام والشعار واحد :
“الأمير أو نحرق البلد”
أما في باصات السيرفيس المهترئة، فكانت هيام الحموي توزع تحية الصباح الباهتة والمكررة، على المدن السورية.
المذيعة المحترفة باتت لا تعرف إلا أن تقول وبرعاية حصرية من سيريتل
صباح الخير حرستا
صباح الخير، حلب
صباح الخير، يا ميدان
مقص الرقيب لا يسمح للإعلامية الشهيرة، بأبعد من تحية صباح، مسروقة شمسه، شاحباً.
لم يبقَ من هيام إلا صوتها الجميل. وإشارات الخرف. صارت من كوكب آخر أبعد من حرستا كثيراً.
يحاول الدمشقيون، أن يتعامَوا، عمّا يجري في بيروت، ربما فقط لأنهم لا يريدون أن يجربوا، المجرب. والدم لم يجف بعدُ على أطراف بردى اليابسة.
في الشام يحاول الناس بلسمة جراحهم. ببعض السخرية.
و(صحفي) سوري يجلس على كنبته الوثيرة، يقلّب بترف بين القنوات التلفزيونية، ويراقب ما يحدث في بيروت وبغداد، ليكتب متباهياً على صفحات الفيس بوك شاكراً الحكومة السورية على نعمة الكهرباء، والهدوء، واللامبالاة بأوجاع الناس ويقول:
” الحمد الله على نعمة الديكتاتورية”
هناك عند الربوة، يحمل يهوذا المخالف للشريعة، ثلاثينه الفضية، ويراقب، خانقاً، خائفاً يتساءل:
إلى متى سأستطيع، أن أغلق شبابيك دمشق عن النور، والريح.
يسقط القلم من يدي قبل أن أغفو، وأرمي من نافذتي تحية أخيرة من القلب لبيروت ، فلها القصيدة ، والبحر الواسع.
ولدمشق فلها الانكسار، والخيبة.
ولبغداد الجريحة، فلها النشيد العلقم.
……….. ………. ……. ……..
في بيروت، الطرقات كلها، مفتوحة، ولو لحين، هي مفتوحة نحو الضوء.