أطفال سوريا في ميزان الحرب وما بعدها
أهمية التخطيط لبنية تحتية مستدامة للصحة النفسية بسوريا تعنى بضحايا الحرب، والاعتراف بالحاجات النفسية للأطفال السوريين

محمد عبد العظيم
دراسة حول عدد من مدارس دمشق واللاذقية تبين نسب عالية من الأخطار النفسية التي يعايشها التلاميذ، حيث خلصت الدراسة إلى أنه %60.5 من هؤلاء الأطفال يعانون من اضطراب نفسي واحد على الأقل، وكان اضطراب ما بعد الصدمة هو الأكثر شيوعا ًبنسبة 35.1% يليه الاكتئاب 32% ثم القلق 29.5%
يعلن “قانون قيصر” بداية النهاية في الحرب السورية , ومن جهة أخرى يفتح ” أبواب جهنم ” جديدة أمام السوريين . جهنم الأولى كانت الحرب السورية التي تعلن انطفاء نارها، الحرب التي خلفت خسائر فادحة على جميع المستويات، الوطنية والاقتصادية والاجتماعية , فبات المستقبل السوري مهدداَ بسؤال وجودي , هل ستصمد الدولة السورية أمام هذا الاختبار ؟
من المخيف إحصاء الخسائر على جميع الأصعدة، فالأرقام التي تعلنها المنظمات الدولية تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، لكن ما يبدو مهماَ بالدرجة الأولى عند التفكير بالمستقبل السوري هو التفكير بمواطني هذا المستقبل , الأطفال السوريون . مواطنو الغد.
يعيش الأطفال السوريون واحدة من أكبر الأزمات التي عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، التهجير والحرب، العنف والتجنيد في أتون المعارك , الانتزاع من الطفولة بسبب فقدان الأهل أو البيت . التسرب التعليمي وضياع فرص بناء مستقبل يضمن لهم حياة كريمة وعادلة. كل هذه العوامل رفعت من مستوى العنف والتنمّر الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال، ومن مستوى الرضّات النفسية التي يعانون منها.
في احدى الدراسات للصحة النفسية للأطفال السوريين، قدم “المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية ” دراسة حول عدد من مدارس دمشق واللاذقية تبين نسب عالية من الأخطار النفسية التي يعايشها التلاميذ، حيث خلصت الدراسة إلى أنه %60.5 من هؤلاء الأطفال يعانون من اضطراب نفسي واحد على الأقل، وكان اضطراب ما بعد الصدمة هو الأكثر شيوعا ًبنسبة 35.1% يليه الاكتئاب 32% ثم القلق 29.5% .
في دراسة قامت بها جامعة مرمرة التركية، قدمت أرقاماً مشابهة لنسب الأطفال اللاجئين الذين يعانون من اضطرابات نفسية مرتبطة بالحرب والهجرة، ويأني مرض الاكتئاب على رأس قائمة الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال اللاجئون.
وايضا أعلنت تركيا عن ستة مئة ألف طفل سوري لا يلتحقون بسلك التعليم هذا العام، أي ما نسبته 30% من عدد الأطفال اللاجئين الموجودين على الأرض التركية. يرتفع هذا الرقم إلى مليون طفل بحساب جميع دول الجوار ( لبنان , الأردن , العراق)، بحسب الأمم المتحدة . هذا التسرب التعليمي يعزى للكثير من الأسباب، أهمها الضغط الهائل الذي شكله الأطفال اللاجئون على البنية التحتية التعليمية لدول الاستقبال، وصعوبة تأمين المستلزمات الاقتصادية لدراسة الاطفال ( وسائل المواصلات , ملابس , كتب، إلخ) , صعوبات تعلم اللغة والتعامل مع المناهج الدراسية الجديدة , إضافة إلى صعوبة الحصول على الأوراق الرسمية التي تسمح لهؤلاء الطلاب استكمال تسجيلهم في مدارس دول الاستقبال.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى انخفاض حاد في نسبة تحصيل الأطفال السوريين لحقوقهم التعليمية، لحساب أشكال مشوهة من العمل الغير منتج (عمالة الأطفال)، والزواج المبكر , والتسول والانحراف الاجتماعي .
أحصت الأمم المتحدة ستة ملايين طفل ولدوا زمن الحرب، لم يعرف هؤلاء سوى التحارب السوري، وكل ما رافقه من عنف وتشرد. اضافة إلى ملايين الأطفال مهجرين ولاجئين، والآن مع نهاية الحرب السورية يظهر إلى السطح سؤال اعادة الاعمار , ليكون أشبه بورقة لعب سياسية بين الأطراف المتصارعة على تقاسم الكعكة السورية، ولكن من واجبنا كسوريين الاجابة على سؤال إعادة الإعمار بطريقة أوسع، وبنظرة أوسع , لتشمل إعادة إعمار البنى التحتية للدولة السورية وللإنسان السوري.
هذا ما يدفعنا للاعتقاد بأهمية بناء مشاريع مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار حاجات الأطفال السوريين، النفسية والاجتماعية، والتركيز على البرامج التي تساعد هؤلاء الأطفال على تخطي النقص في التعليم وتجاوز ما عانوه على امتداد الحرب.
أهمية التخطيط لبنية تحتية مستدامة للصحة النفسية بسوريا تعنى بضحايا الحرب، والاعتراف بالحاجات النفسية للأطفال السوريين، ودمجها في النظام التعليمي الجديد، هي بعض العوامل الأساسية لبناء هذا المستقبل الذي نصبو إليه، وإهمالها سيعني أن مستقبلاً مجهولاً ينتظر ملايين الأطفال، ينتظر سوريا المستقبل.