هل تسقط الأنظمة الديكتاتورية بالعقوبات الاقتصادية ؟
هل يمكن لقانون قيصر أو هذه العقوبات من إسقاط النظام الحاكم و المستبد في دمشق ؟

رأي بقلم المحامي هشام المسالمة – (كلنا شركاء) 5/12/2020
في مقاربة تاريخية للعقوبات الاقتصادية المحدودة او الموسعة و التي فُرضت و لعشرلت السنين على الأنظمة الاستبدادية من أجل إسقاطها أو لتحقيق الديمقراطية في دولها ، ظلَت هذه العقوبات مرافقةً هذه الأنظمة البائسة و لكن تأثرت بها فقط شعوبهم بالدرجة الأولى و استمرت هذه الأنظمة على قيد الحياة .لقد أكد الخبراء الاقتصاديون بأنه هناك نجاحاً محدوداً لهذه العقوبات ، و بأن 34 حالة من العقوبات التي فُرضت قد نجحت من بين 116 حالة منذ عام 1914 !! . و غالباً ما كانت هذه العقوبات هي تمهيداً للتدخل العسكري ، حيث أن العقوبات التي فرضت في الفترة ما بين 1971 – 2000 لم تتجاوز نسبة النجاح فيها 39,5 % لدى فرضها و من جانب واحد ، و نسبة 54,8 % حين تكةن جماعية .تستثمر الدول الاستبدادية العقوبات الخارجية لتعزيز قبضتها على السلطة ، و بغض النظر عن مدى تأثير هذه العقوبات المفروضة مما يعني أن الشعب هو من سيتأثر بها و سيدفع ضريبتها بشكل مباشر أو غير مباشر .لقد فُرض 12 حالة من العقوبات على ضد رومانيا من عام 1977 و إلى 2001 بما في ذلك الحظر الاقتصادي و الذي فرضته الولايات المتحدة عام 1980 ، و لكن قد نجحت فقط العقوبات المحدودة و التي سبقت الثورة الشعبية في رومانيا ، مما أدى إلى تعطيل التجارة الحيوية و لكن لم تتمكن من كسر النظام الحاكم .و لا يمكن القول إلى أن التحول إلى الديقراطية هو نتيجة لهذه العقوبات ، أو لإنجاح الحراك الثوري في رومانيا الذي تمكن بدوره من الإطاحة بنظام نيكولاي تشاوشيسكو و إلى إعدامه .يقول الخبراء أن العقوبات الاقتصادية الموسعة تزيد من قدرة الأنظمة الاستبدادية و الشمولية لاستخلاص منافع اقتصادية و تأمين ولاء القاعدة المؤيدة للنظام الحاكم ، و من خلال تعزيز أهمية القمع كاستراتيجية سياسية ضمن هذه الأنظمة و بنيتها . فإن التراجع في الولاء يقتضي زيادة في القمع في سبيل ضمان البقاء و كذلك بالعكس . و في حال التراجع عن سياسة القمع مع تحسن الأداء الاقتصادي و القدرة على شراء الولاء يزيد من قدرة و ثقة النظام على الاستمرار و قابليته للبقاء ، و هي نظرية و قد نجحت في حالة بقاء و زعامة الجنرال بينوشيه في تشيلي .يتبين من مؤشر الديمقراطية لعام 2010 ، من إصدار وحدة الاستخبارات الاقتصادية من مجلة الإيكونوميست ، أن من بين 88 دولة غير ديمقراطية كانت منها 63 دولة واقعة تحت عقوبات اقتصادية . و من بين هذه الدول 63 هناك 12 دولة كانت واقعة تحت عقوبات موسعة و هي : ( بورما و كوبا و إيران و العراق و ليبيا و ليبيريا و نيجيريا و كوريا الشمالية و السودان و سورية و فيتنام و زيمبابوي ) ، حيث فُرضت عليها على شكل حظر مالي أو تجاري أو نفطي . و قد تحملت أنظمة هذه الدول الاثنتاعشرة على حساب شعوبها ، اجراءات الحظر الشاملة دون أن تظهر عليها أي علامة على التغيير الديمقراطي ، و من بين الدول 35 التي تحولت منذ عام 1955 فقد قامت بخطوات التحول الديمقراطي دون الخضوع لأية عقوبات سواء موسعة كانت أو محدودة .و يجب الإشارة إلى أن نضال الشعوب و المجموعات السكانية في بلد ما و في مسعاها و نضالها للديمقراطية أن يكون لديها وهم حول الأثر المتوقع للعقوبات الاقتصادية الموسعة أو حتى احتمال نجاحها و خصوصاً ضد الحكومات الديكتاتورية المستبدة التي لديها خبرة في استغلال هذه العقوبات لتشديد قبضتها على شعوبها و أطالة أمد بقاءها .إن الحصار الدولي و الذي فُرض على العراق بموجب قرار مجلس الأمن رقم 661 تاريخ 6 أغسطس 1990 نتيجة الغزو العراقي للكويت ، حيث نص على عقوبات اقتصادية خانقة أجبرت قيادته آنذاك على الانسحاب الفوري من الكويت إلا أن الحصار استمر لما يقارب 13 عاماً ، و لكن لم يسقط النظام العراقي الحاكم وقتها سوى الغزو العسكري عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمركية و بريطانية و الحلفاء ، و إن الحصار الاقتصادي أفضى إلى معاناة الشعب العراقي فقط الذي حرم من الدواء و الغذاء فضلاً عن كل وسائل اتقدم و التكنولوجيا في التسعينات من القرن الماضي مما أدى إلى وفاة ما يقارب المليون و نصف المليون طفل عراقي نتيجة الجوع و نقص حاد في الدواء و كذلك افتقارهم إلى أبسط وسائل الحياة . مما اضطر بالكثير من العراقيين إبان تلك الفترة و بالملايين للهجرة إلى دول الجوار و دول المهجر بحثاً عن الأمان و الحياة و الاستقرار و التطور .لا شك أن قانون قيصر الأمريكي أو ما يسمى قانون حماية المدنيين في سورية و الذي شرع في تنفيذه بتاريخ 17 حزيران 2020 ، عاد ليفرض حالة جديدة من مسار الصراع السوري حيث يهدف هذا القانون إلى عزلة النظام الحاكم في سورية سياسياً و اقتصادياً بعد مماطلة النظام في تنفيذ القرارات الدولية و المماطلة في المفاوضات حيث فرض نمط جديد و شديد يحكم الحصار المالي و الاقتصادي ضد النظام الحاكم و ضد حلفائه بغية اجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254 .إلا أن تداعيات قانون قيصر بدأت تظهر و حتى قبل دخوله حيز التنفيذ حيث تسبب بأزمة اقتصادية خانقة داخل مناطق سيطرة النظام حيث انتشر قلق كبير بين التجار السوريين و اللبنانيين المتعاملين مع النظام و ممن طالهم عقوبات لاحقة و بحزم متتالية حيث بدأ تهريب الأموال إلى لبنان و تسبب بانهيار الليرة السورية و وصولها على أبواب الثلاثة آلاف مقابل الدولار الأمريكي .كما و أن خلو البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي و الذهب بعد سنوات طويلة من تمويل الماكينة الحربية و دفع الأموال للميليشيات المحاربة إلى جانبه ، و كذلك بسبب التوقف الكبير لحركة الترانزيت البري و الجوي و البحري و توقف حركة التصدير بشكل كبير مما أدى عجز حقيقي في ايرادات العملة الصعبة .و مع فقدان الليرة السورية لما يقارب 40% من قيمتها و انخفاض راتب الموظف الحكومي إلى ما بين 15 و 20 دولار أمريكي حيث تدهورت الأسعار و وصلت حد الجنون المطلق و دون هوادة في مواجهة حقيقية ضد المواطن البسيط الذي لا علاقة له بما يحصل . و السؤال الذي يفرض نفسه ، هل يمكن لقانون قيصر أو هذه العقوبات من إسقاط النظام الحاكم و المستبد في دمشق ؟أظهرت التجارب السابقة في مثل هذه العقوبات خلال العقود السبعة الأخيرة بعدم فعاليتها المباشرة في تغيير أنظمة الحكم المستبدة و نتذكر حصار كوبا في عام 1959 و العقوبات الغربية التي لم تنجح في اسقاط نظام كاسترو و تشافيز ، و مروراً بالعراق و نظام الرئيس صدام حسين و مروراًبكوريا الشمالية و ليبيا و إيران و غيرها .إن آثار قانون قانون قيصر و مفاعيله و إن كانت مؤثرة على مفاصل النظام في سورية ، إلا أنها كارثية على المواطنين السوريين الذين يواجهون الجوع والمرض و الحرمان و فقدان أبسط وسائل الحياة و في غياب حقيقي للمساعدة من قبل المنظات الدولية .و بات القانون و سياسة النظام الحاكم و فساده و اجرامه هم نقمة حقيقية على السوريين الذين بات 85 % منهم تحت درجة الفقر .