ما تأثير الأعمال الإرهابية على سياسة الهجرة و اللجوء في دول الاتحاد الأوربي ؟
المناقشات القادمة في اجتماعات الاتحاد ستكون حاسمة لجهة سياسة اللجوء و الهجرة و المخاطر التي نجمت عنها

بقلم: هشام مسالمة /محامي سوري
إن الأعمال الإرهابية و المتطرفة التي جرت خلال العامين الماضيين و خاصة في الأسبوعين المنصرمين وكان آخرها هجوم نيس قبل يومين ، هي من القضايا التي تشكل مصدر قلق لدول أوروبا ، و لا سيما و أن الأحزاب اليمينية تربط بخطاباتها أحياناً عن العلاقة اللصيقة بين الهجرة و الإرهاب .
و لكن السؤال هنا : ما مدى تأثير هذه الأنشطة المتطرفة على إحداث تغيير حقيقي في سياسات اللجوء و الهجرة و على إعادة النظر بثقافة التسامح و الانفتاح على الآخر لدى المجتمعات المضيفة في أوربا ؟
مما لا شك فيه أن هذه الأعمال المتكررة في عدة عواصم و مدن أوربية في السنوات الأخيرة، خلقت حالة من التوجس لدى دول الاتحاد، و بدأت تعلو الأصوات المعارضة للهجرة، حيث ستستثمر هذه الحالة من قبل الأحزاب اليمينية بشكل كبير ، مما سيشكل ضغطاً على الأحزاب الاشتراكية و الديمقراطية و الليبرالية و اليسارية التي تطالب دوماً بسياسة الانفتاح على الآخر و ترسيخ حالة الاندماج في المجتمعات المضيفة التي تتبنى قيم التسامح و الحريات و كوسيلة أساسية لمحاربة الفكر المتطرف .
لقد و اجهت عمليات إدماج القادمين من أصول مسلمة صعوبات جمة ، و منها ما يتعلق باختلاف القيم و الثقافات و المعتقدات ، و عدم المقدرة على اندماج فئات قليلة جداً منها تحمل فكراً متطرفاً ، فآثروا الانعزال و في مجتمعاتهم الضيقة و ابتعدوا كلياً عن المجتمعات المضيفة و التي تتحمل مسؤولية إهمالهم و عدم دمجهم الفعال بالحياة الاجتماعية و الاقتصادية عن طريق المتابعة الحثيثة و بشكل مدروس .
إن سياسة الهجرة التي اتبعتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أثبتت أن ألمانيا تسعى لتأمين السلام و ظروف الحياة الملائمة لكل من يسعى لأن يعيش بعيداً عن الحروب و الاضطهاد ، و اعتبرت أن السياسات الخارجية التي تتسم بمعاداة الإسلام غالباً ما تعتبر مصدراً للتطرف و أعمال العنف .
في حين هناك دول أوربية كانت ترفض باستمرار سياسة الإتحاد في الانفتاح و استقبال المهاجرين و توزيعهم بشكل عادل فيما بينها مثل مجموعة ( فيشغراد ) و المؤلفة من دول : بولندا و هنغاريا و الجمهورية التشيكية و سلوفاكيا .
في ظل استمرار الهجرة و تصاعد الأرقام المسجلة لدى الإتحاد عام ٢٠١٩ و وقوع اعتداءات متطرفة ، واصلت الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات الأفكار الشعبوية ممارسة تأثير كبير على السياسة الأوربية، فأعيد انتخاب اليمين في المجر ، و انضمت مثيلاتها الى الائتلاف الحاكم في النمسا و إيطاليا ، كما و اكتسبت أي الأحزاب اليمينية تقدماً واضحاً في السويد و سلوفينيا .
إن أحزاب اليمين الراديكالي في أوربا تقاتل ضد كل أنواع الهجرة في أوربا ، لتربط بين الهجرة و الأعمال المتطرفة و تكون قضية مهمة تطرحها في أي عملية انتخابية ، حيث يعتقد ناخبيهم أن الهجرة تشكل خطراً على مجموعاتهم الأصلية .
كما إن المناقشات القادمة في اجتماعات الاتحاد ستكون حاسمة لجهة سياسة اللجوء و الهجرة و المخاطر التي نجمت عنها ، و لا سيما التي اتبعتها كل من فرنسا و ألمانيا واللتان اتسمتا بالانفتاح الكبير .
و قد نشهد تحولاً مثيراً لتمرير هذه السلطة لتيارات سياسية أخرى ذات توجهات مغايرة كلياً ، الأمر الذي سيفقد الفرصة لمن يحتاجون الحماية الدولية الحقيقية ممن تعرضوا للاضطهاد و التمييز من اللاجئين في مناطق النزاعات و الصراعات المسلحة و التي بأغلبها من الأكثرية المسلمة .
شخصياً لا أرغب بوصول اليمين إلى سدة الحكم في أوربا، و كما أدين و استنكر أي اعمال متطرفة في العالم كله ، فالإنسانية و القيم و التسامح هي مقدمات العيش المشترك و رسالة كل المعتقدات و المجتمعات التي تنشد السلام و الخير للبشرية جمعاء .
هناك مقولة أكررها دوماً واقتبستها من قصيدة لصديقة بلجيكية و تقول :
الكل من هذا العالم ، و العالم هو للكل .