رأي

الثورة بين المشتهى وواقع النظام السياسي القائم

رأي بقلم المحامي :هشام المسالمة

ثمة ملاحظة على غاية الأهمية لفت لها كرين برينتن، الذي أرّخ للثورات الأربع، الإنجليزية والأميركية والفرنسية والروسية، في كتابه: “تشريح الثورات” ، مفادها أن الثورات لا تنتهي، في معظم الأحوال، إلى النجاح المشتهى، أو المتخيّل، وأنها تفقد طاقتها، وتتحرّر من رومانسيتها، ليعود المجتمع إلى الاشتغال بالطريقة العادية، أي بطريقة التطوّر التدريجي، باعتبار أن عملية التطوّر لا تحصل إلا على هذا النحو، لكن ذلك يحصل فقط بعد التخلّص من حال الاستعصاء، أو الانسداد، التاريخي، الذي فجّر الثورة.

فالثورة وفقا للفهم المعاصر هي :

” التغيير الكامل للسلطات الحكومية في النظام السابق على الثورة ، بغية تحقيق نظام سياسي نزيه و عادل و يوفر الحقوق الكاملة و الحرية و النهضة للمجتمع ” .

 لذلك يجب توافر عدة معايير و ظروف موضوعية لتقود مركب أي ثورة لبر الأمان و النجاح ضد سلطة ديكتاتورية او نظام سياسي فاسد بهدف التغيير و وفقا لبعض الشروط :

أولاً :  تحطيم جدار الخوف :

يعد انهيار منظومة الخوف عند الشعوب بسبب أساليب القمع و الظلم التي تمارسها السلطة الحاكمة و نخبها الفاسدة هي الحجر الأساس لمد الحراك بالتصميم و العزم في المضي قدماً بحراكها و دون الالتفات للخلف .

إن الأنظمة الاستبدادية لا يسقطها سوى اهتزاز المنظومة الأمنية و فقدانها السيطرة على التجمعات السكانية و البشرية و الاماكن الحيوية . من خرج عن سيطرة المستبد الأمنية يحصل على شعور مضاعف بالثقة للاستمرارية و هذا الشعور يأخذ شكله التصاعدي كلما انخرطت فئات و قوى شعبية جديدة بالحراك الثوري .

ثانياً : الإجماع الشعبي لتغيير السلطة :

إن توافر اجماع شعبي علني و ضمني على مطلب التغيير أو الإصلاح هو أمر في غاية الأهمية ، لأنه بحالة عدم التوحد في إرادة مطلب التغيير سرعان ما يفشل الثورات .

و إذا لم تنشأ قيادة ثورية واعية و موحدة و منظمة تتسيد الموقف و توجه الحراك العفوي من بدايته نحو برنامج سياسي للانتقال إلى مرحلة متقدمة و أفضل ، فالفشل هنا حتمي و هنا تحاول السلطات الديكتاتورية إلى اعتقال القيادات و المفكرين المؤثرين و قد تلجأ إلى تصفيتهم أحيانا للقضاء على الحراك المنظم و الموثر لأن الحراك العفوي له حدود و يقف عندها و لا يتقدم و يسهل القضاء عليه .

ثالثاً : المشاركة الشعبية و النخبوية :

حسب خبراء أكاديميين بتاريخ الثورات إن مشاركة نسبة قليلة من عدد السكان و لو كانت بحدود ٥٪؜ و كمشاركة فاعلة في الحراك ، فإنها تضمن حصول تغيير حقيقي سياسي حقيقي و ذلك من خلال الحركات السياسية و منظمات المجتمع المدني و المفكرين و الجمعيات الطلابية و الشبابية أي كل الهياكل ذات التأثير على الشعب حين تتحدث عن متطلباتهم و معاناتهم و طموحاتهم المشروعة .

إن الحراك الثوري يستمد قوته من عدد المشاركين أيضاً ، حيث يمثل تهديداً حقيقياً للسلطة المتمسكة بالحكم رغماً عن الشعب ، مما يؤدي هذا الحراك بدوره إلى تعطيل المرافق الحيوية و العامة حيث تصاب الحياة اليومية و الاجتماعية بالشلل .

رابعاً : وجود قيادة واعية تمتلك الرؤية :

إن للعفوية دور مهم في بداية الاحتجاجات إلا أن ثمة حدود و عتبة لها ، و في حال تجاوزها فيصب ذلك لمصلحة السلطة الحاكمة ، الأمر الذي يتطلب وجود قيادة للحراك الثوري صاحبة فكر كما و تمتلك رؤية سياسية و اقتصادية و إجتماعية مغايرة لرؤية النطام السياسي القائم ، الأمر الذي يعزز من مقومات نجاحها للوصول لأهدافها بأقصر عمر زمني .

خامساً : تعطيل الحياة العامة و بطرق سلمية :

إن العصيان المدني و التظاهرات السلمية في الساحات العامة و بأعداد كبيرة سيصعد من وتيرة الحراك الثوري و حسب خبراء إن العصيان المدني و الإضرابات العامة هي وجه حضاري للاحتجاج و من أقوى أسلحة مقاومة السلطة الحاكمة ، و إن تأثيرها يعد الخطوة الأهم في مسار الاحتجاجات حيث تؤدي إلى شلل في عملية الإنتاج و وقف في عجلة الاقتصاد و لا سيما بمشاركة كبيرة من العمال و الفلاحين و الكادحين و المثقفين ، و بالتالي توقف الأرباح التي يجنيها رجال الأعمال و الذين يشكلون العمود الرئيسي لتغذية و إمداد و دعم الطبقة الحاكمة .

و بذات الوقت هناك عدة مخاوف و سلوكيات قد تمارسها السلطة الحاكمة بذكاء لإفشال الاحتجاجات و القضاء على الثورة و سنحاول تسليط الضوء على أهمها :

١- ممارسة الخديعة و التضليل :

إن توجه السلطة الحاكمة بأساليب تدعو فيها إلى مصالحة الشعب و التوبة و كذلك الحديث عم المشاركة في الحكم و البناء ، يملي على قيادة الحراك الثوري التصميم على المضي و إكمال طريقهم لأن بذلك قد ملكوا قوة مؤثرة بمواجهة السلطة التي تكون في أوج ضعفها و في حالة ترهل و تراجع ، أما في حال تراجع الحراك و الدخول في هذه المتاهة ، تعاود السلطة ثانية لترتيب بيتها و امتلاك القوة اللازمة للقضاء على الثورة بعد الحصول على وقت كافي للتخطيط و التنفيذ .

إن تاريخ ثورات شعوب العالم لم تعرف التوبة و لم تقبلها ، إذ أن الأنظمة المستبدة دوماً تُشيطن أي حراك سلمي و ثوري قد يطيح بها ، فلا توبة و لا تشاركية مع السلطة كي تتمكن الثورة من بناء نظام سياسي جديد و غير ملوث بفلول النظام السابق .

٢- التدخل الخارجي :

إن الأنظمة غير المستقلة و التابعة لقوى دولية أو إقليمية ، في حال وصلت أركانها لضعضعة و باتت آيلة للانهيار و السقوط نتيجة حراك ثوري حقيقي و مؤثر ، تعمل هذه القوى إلى إفشال الثورة و الحراك بالوقوف علناً جانب السلطة الحاكمة خشيةً من تغييرها و بذلك تضيع معها مصالحها الاستراتيجية .

٣- إعلام السلطة الحاكمة و التابع لها :

إن الإعلام الرسمي و الخاص و في ظل غياب حرية الإعلام و التعبير ، سيكون تابعاً بالمطلق للنظام الحاكم و يؤيد وجهة نظره السياسية .

سيعمل ليلاً نهاراً للتأثير على مفاهيم الثورة و تشويه صورتها أمام الرأي العام و يعمل على بث الفرقة بين الثائرين أحياناً بوجه السلطة و يعمد إلى إثارة الشبهات و إلصاق التهم بقيادات الثورة بالعمل لصالح أجندات خارجية .

إن سلاح الإعلام في زمن الثورات هو سلاح فعال و مؤثر إذا استخدم بحرفية و دهاء ضد الحراك الثوري لأنه قد يفضي إلى إفشال الثورة حين يعبث بعقول الفئات البسيطة و يركز على هواجسهم و مخاوفهم و هذه الفئة غالباً ما تكون هي الأغلبية بين الطرفين  في المجتمع .

حيث يتم زرع الخوف في نفوسهم وبقلوبهم حين يصف إعلام السلطة هذا الحراك بالفوضى و الإرهاب الذي سيجتاح البلاد في حال انهيار السلطة الحاكمة .

على الجملة إن الثورات هي بمثابة خيار اضطراري، وهي تنطوي على آلام ومخاطر وكوارث، كما يمكن أن تتمخّض عن فوضى، وفضلا عن كل ذلك فلا شيء ثابتاً فيها، فهي يمكن أن تحقق نصرا نهائياً، ويمكن أن تحقق بعض أهدافها، كما يمكن أن تنهزم أو أن تنحرف وهكذا هي الثورات تأتي محملة بالألم كما بالأمل، هي لعبة التاريخ المحير والمليء بالمفاجآت.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق