رأي

آراء عن حال المعارضة السورية : المعارضة السورية … بلا بركة!

بقلم : حسام ميرو


على خلاف المثل القائل إن في “الحركة بركة”، يبدو المشهد السوري المعارض منذ سنوات بأنه يمثل النقيض، فقد عقدت أطياف المعارضة مؤتمرات أكثر من أن يتذكرها المرء، ابتداء من إسطنبول وصولاً إلى عواصم ومدن عربية وأوروبية، كما أنشأت هيئات وكيانات وتيارات وأحزاب معظمها كائنات مجهرية، يصعب استخلاص أثر واضح لها، ما عدا النوايا الطيبة لكثر من مؤسسيها، وقد كتبت مئات الوثائق حول سوريا المستقبل، بعضها مجرد استنساخ عن وثائق أخرى، بينما الواقع العملي، الإقليمي والدولي، يشير إلى أن المعارضة السورية هي آخر من يؤخذ برأيها، هذا إن حصل واستمع أحد ما لما تقول، فالدول وأجهزتها الديبلوماسية والاستخبارية تعرف واقع المعارضة من دون تجميل، تعرف الأشخاص وتاريخهم وعقدهم وأوزانهم، وتعرف أنهم في أوضاعهم التي تمضي من سيء إلى أسوأ ليس لديهم ما يقدمون، وليس لديهم التأثير لعرقلة المخططات، أو الإمكانات لتغيير المعادلات.
لماذا بقي حراك المعارضة بلا نتائج وازنة؟
من السهل أن يرمي المعارضون الحمل عن أكتافهم، وأن بضعوا اللوم على عاتق مسائل تختص بخصمهم، مثل السياسات العسكرية والأمنية للنظام، أو متانة تحالفاته مع روسيا وإيران، وخذلان المجتمع الدولي لهياكل المعارضة، فهذا مريح لأنه ببساطة يعفي الذات من أية مراجعة نقدية حقيقية، ومن شأنه أن يخفي العيوب البنيوية الكثيرة للمعارضة، ومن شأنه أن يظهر مدى انقسامها، ونرجسية بعض من تصدّوا لأدوار قيادية فيها، لكن في حقيقة الأمر ، ينسى المعارضون من هذا النوع أن خصمهم، بتاريخه وبنيته ومصالحه وخطابه، سيقاتل بشتى السبل لأن يبقى في الحكم، وبالتالي فإن التعويل الرئيسي يجب أن يكون في مكان آخر، فالمجتمع الدولي، بما هو مصالح متباينة له قراءة مستقلة عن رغباتنا، وليست على مقاسات حقوقية وإنسانية، كما لديه مخاوفه الخاصة.
وبحثاً عن موطىء قدم في تمثيل المعارضة و”الثورة”، سعت معظم التشكيلات المعارضة لنيل شرعية وجودها من “اعتراف” الدول بها، فلم تعد قادرة أن ترى الواقع الفعلي، أو حتى وجودها، إلا بدلالة القوى الداعمة، وأصبحت ولاءات المعارضة سداً يحول دون تواصلها مع بعضها البعض، أو تأمين حد أدنى مطلوب من التوافق على آليات عمل، أو تحديد موقف وقراءة مشتركة من الأحداث، وهكذا فإنه يصعب علينا اليوم أن نجد طرفاً معارضاً من دون راعٍ إقليمي أو دولي، ما عدا بعض التيارات المستقلة، وهي تيارات غير موجودة في ما يسمى “مؤسسات” النادي الرسمي للمعارضة، من مثل “الائتلاف الوطني”، و”الهيئة العليا للمفاوضات”، أو “هيئة التنسيق”.
منذ سنوات، تنتظر هذه الكيانات أن يضعها حل سياسي ما في تركيبة السلطة المقبلة، ليس كممثلة لمصالح شعبها ونضالاته وتضحياته ومآسيه، بل كممثلة عن دول الانتداب، كما كان يختار النظام السوري تركيبة السلطة في لبنان، مع اختلاف مهم وهو أن بعض رجالات السلطة في لبنان كان لهم وزن بين طوائفهم وأحزابهم ومجتمعاتهم المحلية، بينما تغيب هذه المواصفات عن ممثلي النادي الرسمي للمعارضة السورية، فلم يجرؤ أحد من أحزابها وقياداتها أن يقدم نقداً لتجربته، وأن يحدد مسؤوليته عن تبعثر المعارضة، وهو ما يؤكد بشكل واضح على موقف استعلائي من كوادرها (إذا بقي لديها كوادر أصلاً)، أو إلى الشعب الذي يفترض أنها تمثّله.
مشكلات العمل السياسي السوري وتحدياته كثيرة، مع الوقائع التي فرضتها أحداث السنوات الماضية، من لجوء وتشتت للحيوات الإنسانية ونشوء تحديات جديدة للسوريين، وصعوبة مراكمة عمل ذي وزن في بلاد اللجوء، كما أن العمل السياسي في داخل سوريا أصبح مرهوناً بسلطات الأمر الواقع، والأوضاع المعيشية، بالإضافة إلى اليأس والإحباط، وعوامل كثيرة، لكن هذا الأمر لم يكن على هذه الشاكلة في السنوات الأولى بعد الثورة، وهو ليس مبرراً للانتهازية السياسية، أو استبعاد العامل الذاتي من التأثير في العمل السياسي، بل يجب أن يكون محفزاً، في حال كانت القضية الوطنية هي البوصلة.
معظم مؤتمرات المعارضة، أو حتى المساعي إلى فتح قنوات فيما بينها، كانت تأتي في الغالب الأعم من استشعار تحول ما في مواقف الدول، أو بدفع من القوى الخارجية نفسها، وليس نتيجة حاجة موضوعية تفرضها اشتراطات العمل الوطني، كما أن معظم القوى التي تدعى إلى مؤتمر ما، أو إلى تحالف ما، يكون سؤالها الرئيس: من يدعم هذا المؤتمر؟ وهل الدولة الفلانية موافقة أم لا؟ كما أن تلك القوى لا بد لها أن تعود إلى مرجعيتها الخارجية كي تأخذ الإذن بالموافقة على المشاركة.

اقرأ أيضاً:الداء داخل الائتلاف وخارجه
في الِأشهر المقبلة، سنجد حراكاً معارضاً، بدواعي اقتراب الحل السياسي، والانتخابات الرئاسية، وستعود وجوه ربما كانت منسية لتدوير نفسها، بلا أي حس بالمسؤولية عن دورها، وسيكون الترويج على قدم وساق لفكرة أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، دون أن يطرح سؤال حول الأساسيات والبديهيات، من مثل: كيف يمكن العمل انطلاقاً من قراءة خاصة، تمثل طموحات السوريين وتضحياتهم، وكيف يمكن العمل على بناء تحالفات وطنية، من دون التبعية للخارج، وكيف يمكن عدم الانزلاق إلى نتائج أكثر كارثية مما حدث، لن تخدم سوى أطماع قلة قليلة من الأفراد.
البركة تكون في الحركة إذا كانت هذه الحركة مبنية على قراءة صحيحة، ومستندة في معظمها إلى شرعية داخلية وكوادر ذاتية، وقادرة على بناء قيادات تتحمل مسؤوليتها التاريخية، وإلا فإن هذه الحركة تصبح عملية تكرار لتجارب أثبتت أنها فاشلة.

اقرأ أيضاً: آراء عن حال المعارضة السورية..الداء داخل الائتلاف وخارجه

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق