أيها الرئيس العقائدي: ليس هذا ما يحتاجه السوريون

بقلم : حسام ميرو
لم أتخيل يوماً، ولا في أكثر الحالات فانتازية، أن أسمع بتعريف للإنسان، يفرّقه عن الحيوان، يقول بأن الإنسان كائن ديني/ عقائدي، لكن حدث وأن خرج علينا من يقولها، وهو ليس رجلاً عادياً ينقصه التعليم، بل رئيس دولة اسمها سورية، ولم يأتٍ تعريفه كزلة لسان، لربما كان يمكن فهمها من خلال معلم ورائد التحليل النفسي سيجموند فرويد، بل قيل هذا التعريف عن سابق إصرار وتعمّد، وفي حضرة من أسماهم “العلماء”، و”العالمات”، في جامع العثمان بدمشق، ما يجعل لتعريفه أهدافاً سياسية واضحة، ليس هذا المقال مخصصاً لها.
منذ خمسين عاماً، بدأت سورية تكتسي وجهها العقائدي، إذ لا حزب إلا حزب السلطة، ولا قادة سياسيون إلا القائد الأوحد، ولا يذكر البلد إلا بذكر الخالد، ولا بداية للصباح إلا بترديد مئات الآلاف من الأطفال لشعار وأهداف حزب البعث، وكان طبيعياً أن تصبح علاقة الشعب/ الناس/ البشر برئيسهم علاقة تعبدية دينية، فلا دين يعلو عن دين عبادة الفرد، المنزّه عن الخطأ، العارف البصير بالحقيقة، القارىء العبقري للمستقبل، الموضوع تحت مجهر كل المؤامرات التي ينجو منها دائماً، حتى لو كلف ذلك ألا يبقى سوريون في سوريا.
ليس مهماً أن تكون سوريا أمانة رجالات الاستقلال قد استبدلت احتلالاً بخمس، وليس مهماً أن يكون نصف السوريين قد أصبحوا لاجئين أو نازحين، وليس مهماً أن يكون أكثر من مليوني ونصف المليون طفل سوري خارج التعليم، وليس مهماً أن آلاف العائلات، ومنذ سنوات، تعيش بلا أحد أفرادها الذي يقبع في معتقلات النظام، وليس مهماً أن تكون مقدرات السوريين من عمران ومال وكفاءات قد هدرت في حرب عبثية، وليس مهماً إن كان كلام “السيد الرئيس” يشبه نكتة خالية الدسم، فما يهم حقاً هو التمسك بالعدم إلى آخر العدم، وإن كان هذا العدم كرسيّاً ثقبت مقعدته خوازيق الحلفاء.
خطبة متهافتة عن الدين والعقيدة والعلمانية والليبرالية والدولة، خطبة قد يفضحها أي مراهق بالعودة إلى محرك البحث على الإنترنت، فيرى الملك عارياً، ليس من ثوبه هذه المرة، بل من عقله، لكن أبى صاحب الخطبة المتهافتة إلا أن يصل إلى هذا الدرك، معتقداً أن ما يفعله ممارسة مكيافيلية للسياسة، فليس مهماً أن يكون الخطاب صحيحاً، بل ما يؤديه من وظيفة، لكن حتى هذا الأمر، في هذا الظرف، لم يعد ممكناً، فإذا كان المطلوب استمرار هذه الطبقة المنافقة بالنفاق ودعم الحكم، فهي لم تعد تملك خياراً آخر، وهي بالأساس صنيعة النظام، وجزء لا يتجزأ من بنيته، وليست بحاجة إلى خطبة بمثل هذا التهافت، بل إلى استمرار مصالحها.
ما العجينة التي صنع منها هؤلاء المستبدون، ينتهون إلى مؤمنين، وكأن آخر ما ينقصهم من ألقاب هو لقب الرئيس المؤمن؟
لا يّصدّق السوريون اليوم إلا تجربتهم، آلامهم، مآسيهم التي لا تحصى، فقداناتهم التي تجفّ لهولها أثداء الغيم، إنهم ببساطة لم يعودوا سذّجاً، بل مشككين، فقد خبروا خلال السنوات الماضية كل أصناف الكذب، الحكومي، والوطني، والإقليمي، والدولي، وهم يرتجون خلاصاً يليق بمحنتهم وخساراتهم.
السوريون الذي استباح حزبهم وجيشهم وقياداتهم العقائدية أعمارهم، وأكملت على ما بقي منها الفصائل المتاجرة بالدين والعقيدة، يعلمون أن الإنسان هو من يمكن أن يؤنس إليه من دون خوف، هو الذي لا يقصف بيتاً، ولا يقتل أطفالاً، ولا يعذب رجالاً ونساء، ومن لا يسرق بلداً ليقدمها على طبق من دم للمحتل.
لا يحتاج السوريون إلى من يمتحن تقواهم، أو يقوي عقيدتهم، أو يزيد من إيمانهم، بل إلى بلد يمارسون فيه حياتهم، يفاخرون بأنهم مواطنوه، لا يتركونه مرغمين، يكدّون كي يكون أفضل مكان للعيش، دون خوف من رجال الجيش والأمن والمحاكم الاستثنائية، إلى بلد يعلمون فيه أين دفن فيه الأهل والأحباب والأصحاب، وليس إلى مقبرة جماعية يتحول فيها الضحايا إلى أرقام.