التقرير السياسي لشهر فبراير/ شباط 2025
بعد حفل تنصيبه في 20 ديسمبر/ كانون الأول، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتسريع وتيرة العمل على خططه ووعوده التي كان قد أطلقها خلال حملته الانتخابية، ففي الداخل الامريكي بدأ عملية إعادة هيكلة لعدد من الوكالات والمؤسسات، التي يرى أنها لم تعد ضرورية، وأنه ينبغي وقف استنزاف هذه المؤسسات لأموال دافعي الضرائب، وتخفيف أعباء البيروقراطية، وكذلك الأمر بدأ برفع الضرائب الجمركية على صادرات عدد من الدول إلى الولايات المتحدة، وبشكل خاص الصين، حيث عادت حرب الضرائب بين العملاقين للاشتعال من جديد.
في الشرق الأوسط، تستمر هدنة غزة، بين “حماس” و”إسرائيل”، وجرت عدد من عمليات تبادل الأسرى بين الطرفين، في الوقت الذي وضع فيه الرئيس ترامب اقتراحه على طاولة اللاعبين، حيث عرض شراء غزة، وهو عرض يمكن اعتباره أعلى نقطة يريد البدء منها في التفاوض بشأن مستقبل غزة، من أجل الضغط على مصر والأردن للقبول باستقبال فلسطيني غزة، الأمر الذي دفع بالبلدين إلى القيام بديبلوماسية نشطة، من أجل تقديم مقترحات أفضل لليوم التالي في غزة، من ضمنها استبعاد “حماس” من السلطة في غزة، وعودة السلطة الفلسطينية إليها، مع استمرار سوء الأوضاع الإنسانية لسكان القطاع، بعد كل ما ألحقته الحرب الأخيرة بمدن القطاع من دمار طال البنى العمرانية والخدمية والتعليمية والصحية والاقتصادية.
في لبنان، بعد أن أصبح موقع رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في حالة توافق، حيث يحسب الرئيس جوزف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، على الجهة المقابلة لإيران و”حزب الله”، ما يسمح لهما بالعمل معاً في المرحلة المقبلة، بعيداً عن النفوذ الإيراني الذي استمر لعقود، مع وجود عدد كبير من التحديات الاقتصادية والمؤسساتية والمالية والاجتماعية، لكن من غير الواضح حتى الآن، ما شكل العلاقة بين الحكومة اللبنانية وحكومة دمشق، خصوصاً أن الثانية لا زالت في طور ترتيب أوضاعها الداخلية.
في سوريا، عينت الفصائل أحمد الشرع رئيساً انتقالياً للبلاد، ووجه خطاباً قصيراً للشعب، أعلن فيه أنه سيقوم بتعيين لجنة تختار مجلساً تشريعياً مصغراً، كما أعلن أن مؤتمر الحوار الوطني سيكون مؤتمراً للمداولات والحوارات والمشاورات، وفي الأسبوع الأول من الشهر الجاري مارس/ آذار 2025، قام بتعيين لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني، فيها خمسة رجال محسوبين على هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى، بالإضافة إلى سيدتين من المجتمع المدني، في الوقت الذي يواصل فيه وزير الخارجية أحمد الشيباني جولاته الخارجية لحشد الدعم للقيادة الجديدة، والدفع نحو رفع العقويات الأمريكية والأوروبية على الحكومة.
في وسط هذه الخطوات السياسية، عادت العملة السورية لخسارة قيمتها أمام الدولار، بعد أن كانت قد أخذت قيمتها بالتحسّن بعد سقوط النظام، وكذلك تستمر حملة التسريح التعسفي بحق العاملين في مؤسسات الدولة، واستمرار حالات قتل في مناطق ذات توتر طائفي، وحل بعض النقابات، وإجراء تعيينات في النقابات المركزية ومكاتب فروعها، من دون أية انتخابات، مع القيام بنشاطات (على خلفية دينية) في الجامعات، مثل الوعظ بالطلبة، أو الفصل بين الذكور والإناث في مداخل الجامعات، أو التوجيه بفصلهما في المقاعد الدراسية في مراحل التعليم الأساسية، وازدياد تدفق البضائع التركية للسوق المحلية.
نحن في الحزب السدتوري السوري (حدْس)، نرى أن معظم المؤشرات الصادرة عن القيادة الجديدة، لا توحي بوجود إرادة بالتشاركية على خلاف ما يأتي في تصريحاتها، حيث أن وضع الرئيس يده على التشريع من خلال مجلس تشريعي مصغر، يعني أنه أصبح من الناحية الفعلية يحوز على السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما أن إجراء مؤتمر حوار وطني من دون أن يكون له صلاحيات في رسم ملامح المرحلة الانتقالية، يعني أنه إجراء فاقد لأي معنى وطني وسياسي، وأن ما تأمله السلطة الجديدة من هذا المؤتمر هو زيادة شرعيتها الداخلية، من دون تقديم أي شيء فعلي للسوريين، بالإضافة إلى استبعاد كل القوى السياسية من الحوار، إذ أن الدعوات لا تشمل القوى السياسية، وتركّز على دعوة الأفراد.
وبخصوص عودة انخفاض قيمة العملة السورية، فهو أمر متوقع، إذ أن ما جرى بعد سقوط النظام كان عملية مضاربة مالية، أسوة بعمليات مشابهة، حدثت مرات عدة، خلال العهد البائد، كما أن دخول البضائع التركية للسوق السورية، يشكل عملية إنهاك لما تبقى من بعض الأعمال الصناعية الوطنية، لكونها غير قادرة على المنافسة.
الاقتصاد السوري، ومعه الأوضاع المعيشية، وصلت حداً غير مسبوق، إذ أن سوريا لا تزال على قائمة العقوبات الأمريكية، ومجمل الزيارات التي قام بها وزير الخارجية لم تسفر عن أية تعهدات مالية، أو ووعود بضخ الأموال من أجل إعادة الإعمار، وما يصل إلى سوريا هو مساعدات إنسانية إغاثية، وعلى وقع هذه الحال المتردية، ازدادت أسعار السلع أضعاف مضاعفة، خصوصاً مادة الخبز، التي ارتفعت حوالي 10 أضعاف.
أما الحوادث العديدة التي تطال مناطق متوترة طائفياً، فإنها تزيد عملية الاحتقان المجتمعي، خصوصاً بعد حلّ القوات الشرطية القديمة، وإحلال قوات الأمن العام، التي كانت تعمل في إدلب، وهي تفتقر غالباً إلى المؤهلات العلمية المطلوبة، أو التدريب المناسب، وليس لديها خبرات في العمل في بيئات اجتماعية متعددة.
أيضاً، لا تزال قوات الجنوب، بقيادة أحمد العودة، خارج إطار وزارة الدفاع الجديدة، وكذلك لم تدخل قوات الأمن العام إلى محافظة السويداء، كما أن المفاوضات مع “قسد” لا تبدو أنها تشهد انفراجة، على مستوى الحلول السياسية والعسكرية والإدارية.
بناءً على كل هذه المعطيات، فإن مجمل الأوضاع السورية تزداد سوءاً، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من معاناة السوريين المعيشية والخدمية، ومعاناة الصناعيين، وهو ما سيزيد من الحملات الاحتجاجية المطلبية، في الوقت الذي ستبدو فيه وعود الحكومة بلا أي تصريف في الواقع العملي.