رأي

أسئلة برسم دول الخليج حول سوريا؟

لقاء محمد بن سلمان وأحمد الشرع (سكاي نيوز عربية(

حسام ميرو

في عام 2003، احتلّت القوات الأمريكية العراق، وانفرط فيه عقد المؤسسات العسكرية والأمنية، وعمّت الفوضى، ولم تأخذ دول الخليج العربي خطوات جدّية للإسهام في بناء توازن قوى داخل هذا البلد العربي المؤثّر، وتركته للنفوذ الإيراني، معتقدة أن الأمريكان لن يسمحوا لإيران بأكثر من دور محدود، لكن حسابات الواقع كانت مختلفة عن حسابات الورق، وكان أن هيمنت إيران على العراق، وأصبحت لاعباً أساسياً في مجمل ملفّات المنطقة.

استمرّ النفوذ الإيراني بقوة إلى أن جاءت عملية “طوفان الأقصى”، التي دفعت بإسرائيل نحو تبني سياسة عسكرية جذرية: إنهاء قدرات “حماس” و”حزب الله”، وألحقت بهما نظام بشار الأسد إلى خارج المشهد،  أي باختصار، نزع كل أذرع إيران في المنطقة.

عشرون عاماً من الصراع، ومن استنفاد مقدّرات هائلة، وحروب بالوكالة، كان يمكن لدول الخليج أن تقلّل من الثمن الباهظ، لو أنها قررت الانخراط في إدارة شؤون العراق، وموازنة النفوذ الإيراني فيه، لكنها آثرت الوقوف خلف الأمريكي، وعدم أخذ زمام المبادرة بأيديها.

بعد مرور أعوام من الانتفاضة السورية، وتحوّلها إلى حرب بالوكالة بين الأطراف االخارجية، ظهرت شهادات عدة لفاعلين سياسيين في ملف دعم المعارضة السورية، وربما أشهرها كانت تصريحات حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري السابق، الذي تحدّث في برنامج “الصندوق الأسود” عن الخلافات الخليجية ودورها في حالة الاستقطاب داخل دوائر المعارضة السورية، ودور المال السياسي، والترتيبات العسكرية بين دول الخليج وتركيا وواشنطن عبر غرفتي العمليات العسكرية في الأردن وتركيا.

ما قاله حمد بن جاسم كان معروفاً لمعظم من كانوا في دوائر المعارضة السياسية السورية، ولكن ما بقي مسكوتاً عنه هو اختيار دول الخليج دعم القوى الراديكالية المسلّحة بالمال والسلاح، وهو ما ظهر جلياً في عدد من المعارك التي خاضتها الفصائل الممولة من دول الخليج ضد بعضها،  كاستكمال للصراع بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية،  كالقتال بين “جيش الإسلام” المموّل سعودياً، وبين “فيلق الرحمن” المموّل قطرياً.  في الغوطة الشرفية، والذي ذهب ضحيته مئات القتلى.

منذ عام 2016، بعد معركة حلب، واسترداد قوات النظام للمدينة، كان واضحاً أن دول الخليج، ما عدا قطر، قد وجدت أن من مصلحتها تقليل انخراطها في الملفّ السوري، ثم لاحقاً سعت إلى إعادة تأهيل النظام، طمعاً في دفعه للابتعاد عن إيران، بعد أن كان الوقت قد فات كلياً، أي أنها أجرت تحولاً عن موقفها المعلن السابق بضرورة إسقاط النظام، وتبني موقف الراعي الذي يحاول تأهيل “الأسد”، لإعادة دمجه مرة أخرى في المنظومة العربية.

مع مجيء “هيئة تحرير الشام” إلى الحكم، وهي فصيل سلفي جهادي، برزت أسئلة عديدة حول طبيعة مواقف الدول الخليجية تجاه سوريا، ويمكن تلخيص وتكثيف تلك الأسئلة بالآتي:

1- ما الدرس المستفاد خليجياً من الانكفاءالسابق عن الانخراط في العراق، وهل سيتكرّر اليوم، عبر السماح لتركيا أن تأخذ في سوريا الدور الذي لعبته إيران سابقاً في العراق؟

2- ماذا لو تمكّنت تركيا من الهيمنة فعلياً على حكومة دمشق، وكيف ستستخدم تركيا هذا التأثير كورقة ضغط على دول المنطقة الأخرى، وخصوصاً دول الخليج؟

3- هل ستقبل دول الخليج بأن تتمكن القوى السلفية من الحكم، وفي حال قبولها بذلك، فما الإشارة التي ترسلها بذلك إلى السلفيين في بلدانها؟  

4- لماذا لا تزال دول الخليج تتبنى سياسات متناقضة، فتارة تحارب الإسلام السياسي في صورة الإخوان المسلمين، بينما تدعم السلفيين، باستثناء قطر التي تدعم الطرفين؟

5- في الوقت الذي أزاحت فيه السعودية السلفيين في داخلها من المشهد العام، معتمدة على فئة ليبرالية، يمثلها المبتعثون السابقون (حوالي 200 ألف من الشباب والشابات الذين ابتعثتهم السعودية للدراسة في أمريكا وأوروبا وآسيا)، فهي لا تزال تحجم عن دعم مشروع تحوّل ليبرالي في سوريا؟

6- هل سيعود الصراع بين السعودية والإمارات من جهة وبين قطر من جهة ثانية من جديد، إذا هيمنت قطر وتركيا نهائياً على السلطة الجديدة، خصوصاً بما يتعلق بالمشاريع الاقتصادية في المنطقة؟

7- ما موقف دول الخليج من سيناريو محتمل في سوريا، يتمثّل بفشل السلطة الجديدة في إدارة الحكم وضبط الأمن والسلاح والفشل الاقتصادي والخدمي؟

8- هل يوجد بالفعل لدى دول الخليج، وتحديداً السعودية، تصوّر عن آليات تحقيق وضع سياسي واقتصادي مستقرّ في سوريا؟

 إن سياسات دول الخليج تجاه سوريا هي سيف ذو حدين، فهي يمكن أن تسهم في إرساء تحوّل سياسي يؤمن الاستقرار أو يسهم في زيادة تعقيد المشهد، وربما الفوضى، ولئن كان تأثير هذه السياسات علينا كسوريين أكبر، لكن لا يعني هذا أن تأثيرها لا يشمل كامل المنطقة، بما فيها دول الخليج، التي تشعر إلى حدّ كبير بأن سوريا هي عبء عليها، وبالتالي فإنها لا تمتلك اليوم أي مصلحة في تدخّل فعّال، ما يذكّر فعلياً بموقفها السابق من العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، مع أنها دفعت أثماناً باهظة خلال عشرين عاماً، كنتيجة لإحجامها عن لعب دور فاعل في استقرار الدولة والمجتمع العراقيين.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق