المأزق السوري.. بين الجد والهزل

رامي زين الدين
بين ساخر ومادح، ينشغل السوريون اليوم بما يُسمى “الانتخابات الرئاسية”، التي لا ليست في الواقع، وعلى غرار سابقتها، سوى نظام الاستفتاء نفسه المعمول به منذ عقود، لكن بشكل مستحدث يرافقه “بروباغاندا” رخيصة. بإمكان المنجمين أن يتنبأوا بنتيجة الانتخابات وهم مطمئنو البال، ونحن أيضاً يمكننا المشاركة في التنجيم. الشيء الوحيد الذي قد نختلف عليه هو ترتيب المرشحين الثاني والثالث.
غير أن هذا ليس أهم ما في الأمر. المهم متى ينتهي الهزل؟
إحدى الإشكاليات التي وسمت القضية السورية منذ 10 سنوات حالة الهزل والخفة في التعاطي مع الملفات الشائكة والجادة. وهذا ينطبق على العوام وعلى من يفترض أن يُمثلوا النخبة السياسية. إذ تكفي جولة قصيرة على مواقع التواصل لملاحظة نوعية الخطاب المنتشر. مجرد اجترار وتكرار لعبارات وخطب سابقة.
منذ بداية الانتفاضة السورية طُرحت مسألة “بديل النظام” على نطاق واسع، إن كان على المستوى الداخلي أو حتى الخارجي منه. غالباً ما كان الرد على سؤال “البديل” إما بالتهكم والسخرية على اعتبار أنه ينطوي على تلميح بعدم وجود بدائل، وهذا لا شك سعى النظام وحلفاؤه إلى تعزيزه، بينما ذهب الفريق الآخر إلى القول إن الأولوية هي تغيير النظام ومن ثم لا مشكلة في إيجاد البديل. وقد تبيّن اليوم، أن هذ الرأي الأخير ينطوي على قصر نظر وضآلة في الخبرة السياسية، إذ لا يمكن التقليل من أهمية هذه المسألة.
يُقدم بشار الأسد نفسه على أنه بطل النصر في الحرب على الإرهاب، لكن لماذا لم يظهر هذا “البطل” ولو مرة واحدة بلباس الحرب؟ رغم أنه القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ويحمل أعلى رتبة عسكرية في البلاد “فريق”. يريد الأسد دائماً تقديم نفسه على أنه رئيس لدولة لا مجرد قائد جيش أو جماعة مسلحة. ويصر في الوقت نفسه على إظهار نفسه كرئيس مدني يُمثل الواجهة السياسية للبلاد، في وقت تصدّر فيه واجهة المعارضة في الداخل ولسنوات، قادة فصائل وميليشيات، في الغالب تبنّت أيديولوجيات غير وطنية.
حتى لو كانت الصورة التي يريدها الأسد لنفسه، بنظر الكثيرين، مجرد استعراض زائف ملوث بالدماء والدمار، لكنها صورة مقصودة وممنهجة، وقد تأخذها الكثير من الأطراف الدولية على محمل الجد. إن لم تكن قد أخذتها بالفعل، لاسيما إذا ما بقيت مسألة “البديل” في حالة فراغ كما هو قائم اليوم.
البديل ليس أمرا ثانويا في حالة التغيير. رغم اعتبار تشرشل بطلاً قومياً عظيماً بعد الانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، لكنه هُزم في أول انتخابات بعد أن وضعت الحرب أوزارها. السبب ببساطة أنه لم يستطع إقناع الناخب البريطاني بقيادة البلاد في مرحلة ما بعد الحرب.
على المعارضة أن تُدرك أن هناك فرق شاسع بين النضال لتغيير نظام دولة ما وبين إدارة تلك الدولة. بإمكانك أن تدرس الفيزياء النووية لكن تأسيس مفاعل نووي يُخصب اليورانيوم وينتج طاقة سلمية أو أسلحة ذرية هو شيء آخر تماماً.
آن الأوان لطوي صفحة الهزل والسخرية، والتعاطي بدلاً من ذلك، بشكل أكثر جدية مع المأزق الذي تعيشه بلادنا ولا يبدو أنها قريبة إلى الخروج منه.