الانتهاكات الواقعة على الأطفال في سوريا و تبعاتها

هشام المسالمة
يعيش الأطفال السوريون في بيئة غير آمنة وفي بلد مزقته نيران الحرب والصراع المسلح، لمدة تزيد على 10 سنوات، وفي استهتار فظيع من قبل كافة أطراف الصراع لحق هذا الطفل بالحماية والحياة، وفقاً للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي وقعتها وصادقت عليها الحكومة السورية منذ عام 1993 وعلى بروتوكولاتها الاختيارية لعام 2000.
وكانت سوريا طيلة الأعوام العشرة المنصرمة تتصدر تقارير منظمة “اليونيسيف” التابعة لهيئة الأمم المتحدة وتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، عن باقي دول النزاعات المسلحة في العالم، وذلك بسبب الحجم الهائل من الانتهاكات والجرائم الواقعة سنوياً بحق الأطفال السوريين منذ عام 2011 وحتى بدايات عام 2022.
هذه الجرائم ارتكبتها ولو بنسب متفاوتة قوات الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، إضافة لباقي قوى الأمر الواقع من ميليشات وفصائل مسلحة تتبع لما يسمى بالجيش الوطني شمال غرب سوريا، وأيضاً مجموعات قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سورية، ومجموعات متشددة تتبع لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وكذلك تنظيم جبهة النصرة أو ما بات يعرف لاحقاً بهيئة تحرير الشام.
وفي ظل غياب كامل للمساءلة القانونية والملاحقة عن الجرائم والانتهاكات المرتكبة، يستمر أطراف النزاع وبشكل متواتر، بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الطفل الأساسية، من بينها القتل والتشويه والتيَتم والاعتقال والحرمان من التعليم وتحمل وطأة العنف. إضافة إلى انتشار ظاهرة خطيراً جداً خلال سنوات الصراع، تتمثل في تجنيد الأطفال من قبل كل الأطراف دون اسثناء و زجهم في نزاع دامٍ، ليسلبوا منهم طفولتهم وبراءتهم وحق الحماية الخاصة التي يتمتعون بها.
كما لوحظ مؤخراً ارتفاع جرائم خطف الأطفال والاعتداء الجنسي عليهم واستعمال كل ضروب المعاملة القاسية بحقهم، بما في ذلك الاعتقال القسري، واستخدامهم كوسيلة ضغط للتفاوض على إطلاق سراح المعتقلين قسرياً أو في حالات تبادل الأسرى بين الأطراف المتصارعة، و أحياناً بقصد الابتزاز المادي.
إن لذلك تبعات خطيرة لمستقبل الأطفال السوريين ممّن تم تشريدهم وتهجيرهم والذي تقارب أعدادهم الخمسة ملايين طفل داخل سوريا وخارجها، وفق تقارير دولية. لاسيما في المناطق غير الآمنة، حيث تسببت الحرب الدموية من قبل كافة الأطراف إلى إبعاد الأطفال قسرياً عن مقاعد الدراسة والتعليم، خاصة بعد تعرض المنشآت التعليمية إلى القصف والتدمير، أو استخداها كمراكز عسكرية أو للاعتقال.
وهناك عدد كبير ممن بلغوا الخامسة عشرة والسادسة عشرة ولا يعرفون القراءة أو الكتابة، و لا سيما من أُجبر منهم على العمل في سن صغيرة، لتأمين قوت العائلة التي فقدت الأب والأم أو الأخوة الكبار.
إن المأساة السورية وآثارها ستمتد لعقود قادمة في ظل جهالة مستقبل الأوضاع وعدم وجود البيئة الآمنة لكي يتمتع هذا الطفل بالحماية الخاصة والتي نصت عليها القوانين الدولية و اتفاقيات حقوق الإنسان ، التي ألزمت أطراف النزاع إلى احترامها بالكامل و لكن للأسف لم نشهد سوى المزيد والمزيد منها، وبمؤشر يثير قلق متزايد نحو جدية حماية الأطفال السوريين و إبعادهم عن مآلات النزاع وآثاره النفسية والجسدية.
إن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولياته لمساءلة مرتكبي هذه الجرائم والانتهاكات، التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، لردعهم و فرض آلية حقيقية لتأمين الحماية الخاصة للطفل السوري وفقاً للقوانين الدولية وبقرارات ملزمة من مجلس الأمن الدولي، لخطورتها وتهديدهالأمن ومستقبل سورية والمنطقة برمتها.