
شهدت محافظة السويداء، وعلى مدار أكثر من أسبوع، حراكاً شعبياً لافتاً، اتخذ عناوين مطلبية معيشية، ومطالب سياسية، تجلّت في التأكيد على ضرورة تطبيق القرار الأممي 2254، المتعلّق بالحل السياسي في سوريا، وقد بدا واضحاً أن الحراك الحالي أكثر تنظيماً من الحراك الذي شهدته المحافظة في يونيو/ حزيران عام 2020، مع فارق رئيسي، وهو حضور أعلام طائفة الموحدين الدروز، مع تأكيد الشعارات التي ردّدها المتظاهرون على السّلمية والوحدة الوطنية.
نحن في (حدس)، نرى أن هذا الحراك هو تعبير واضح عن حدّة الأزمة الداخلية التي وصلت إليها سلطة الأمر الواقع في دمشق، فإذا كانت هذه السلطة قد تمكّنت من تبرير عجزها عن تلبية احتياجات المواطنين الموجودين تحت سلطتها خلال العمليات العسكرية التي خاضتها على مدار سنوات، إلا أنها لم تعد قادرة اليوم على تقديم أية مبررات، بعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى، وأصبحت مكشوفة تماماً أمام الاحتياجات المعيشية والخدمية، خصوصاً مع تنامي وتغوّل شبكات الفساد داخل نطاق المؤسسات الرسمية وخارجها، وهيمنة أمراء الحرب على الاقتصاد، ووصول معدّلات الفقر إلى مستوى قياسي غير مسبوق في تاريخ الدولة السورية، حيث يعيش حوالي 90% من المواطنين تحت خط الفقر.
ونعتقد أن أحد أبرز المعطيات في هذا الحراك هو إعادة تنظيم المجتمع الأهلي في سوريا، وما يتضمّنه من عمليات تنسيق وضغط وتفاوض، وتأكيد على حيوية المجتمع الأهلي السوري، خصوصاً بعد انسداد أفق الحلّ السياسي، وتراجع الاهتمام الدولي بالمسألة السورية، كما نعتقد أن حراك السويداء، يشكّل تحوّلاً نحو مسار مختلف على المستوى الداخلي، فجميع المدن السورية، تحت سلطة الأمر الواقع في دمشق، تعيش المعاناة ذاتها، وقد طالت معظم الفئات التي كانت قادرة على تدبير أمورها في السنوات الماضية، بما فيها بعض الفئات الميسورة من الصناعيين الذين لم يعد بإمكانهم تأمين مستلزمات الإنتاج.
يحيي حزبنا حراك محافظة السويداء، ويثمّن الجهود الكبيرة التي تنظّمه وتقوده وتضبط إيقاعه بما يتناسب مع المعطيات في المحافظة، ويدعو إلى عدم إعطاء الحراك أية صبغة طائفية، ويأمل في الوقت ذاته أن تشهد مدن وبلدات أخرى إعادة تنظيم حراكها الأهلي، والتشبيك فيما بينها، والمحافظة على استقلاليتها، في إطار النضال السوري، لإنهاء المأساة الوطنية، والوصول إلى حلّ سياسي.
الحزب الدستوري السوري بتاريخ 14-02-2022