تقرير سياسي – أكتوبر/ تشرين الأول 2023
بعد الهدوء النسبي الذي عرفته جبهات القتال وخطوط التماس بين سلطات الأمر الواقع في سوريا، حيث مضت حوالي ثلاث سنوات على نهاية العمليات العسكرية الكبرى، جرى استهداف حفل تخريج الضباط في الكلية العسكرية في حمص، في الخامس من الشهر الجاري، أودى بحياة العشرات من العسكريين والمدنيين، بالإضافة إلى عشرات المصابين، من دون أن تتبنى أية جهة خارجية أو محلية هذه العملية، وتلا ذلك ردّ فعل عسكري من قبل القوات الروسية والحكومية، طال عبر عمليات قصف مكثفة أكثر من ثلاثين بلدة في محافظة إدلب، وبشكل خاص المدنيين.
في الجزيرة السورية، لم يكن المشهد الحربي أقل دموية، حيث تواصلت ضربات المسيرات التركية لعناصر من “قسد”، بعد هجوم نفّذه عناصر من حزب العمال الكردستاني، قالت أنقرة إنهم قدموا من الداخل السوري.
بالتزامن مع اشتعال الميدان السوري، نفّذت “حماس” عملية “طوفان الأقصى”، حيث اجتاح عناصرها مستوطنات قريبة من غلاف غزة، مع ضربات بآلاف الصواريخ، وقتل وأسر إسرائيليين، عسكريين ومدنيين، وما تلاه من ردّ إسرائيلي طال مناطق القطاع، ولاتزال العملية العسكرية الإسرائيلية مستمرة.
هذا الاشتعال في سوريا وفلسطين، نراه في حزبنا، وفق الآتي:
أولاً- أياً يكن الفاعل في عملية الكلية الحربية، فإن الهدف من ورائه، توجيه رسائل لأطراف عديدة، من أهمها، أن الاستقرار الميداني ما زال هشّاً، وقابلاً للاختراق، وأن نظام المضادات الجوية الروسي لا يمكن أن يمنع مثل هذه الاختراقات، وأن موقع روسيا العسكري والسياسي في سوريا، لا يطابق ما آلت إليه إمكانياتها، بعد تعثّرها في حربها على أوكرانيا.
ثانياً- الجهة المنفّذة لعملية الكلية الحربية، تعلم جيداً أن الردّ الرسمي والروسي سيكون باتجاه إدلب، ومهما كان عنيفاً، إلا أنه لا يستطيع أن يغيّر خطوط التماس، وأن هذا الردّ الانتقامي، هو في جزء منه، موجّه للرأي العام الداخلي، خصوصاً في مناطق سيطرة سلطة الأمر الواقع في دمشق.
ثالثاً- توجد أزمة عميقة بين الأطراف المنخرطين في الصراع في المنطقة، ومن ضمنها سوريا، وأن مضي التطبيع الخليجي مع إسرائيل، خصوصاً زيارة وزير السياحة الإسرائيلي للرياض، وتعيين الأخيرة سفيراً لها في مناطق السلطة الفلسطينية، تمهيداً للعب دور في عملية سياسية، تواكب الخطوات العملية للتطبيع، من شأنه أن يهدّد بقوة المصالح الاستراتيجية للنظام الإيراني، وهو ما يمكن اعتباره السبب الرئيس في توقيت عملية غزة.
رابعاً- لا تبدو منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، جاهزة بعد لهندسة علاقاتها ومصالح أطرافها، خصوصاً أن منطقة المتوسط المشرقية، هي عقدة رئيسية في مشروعين رأسماليين متناقضين، الأول تمثله “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، ويمر عبر إيران، والثاني مبادرة “الشراكة” الأمريكية الهندية، الذي يمر عبر السعودية وألإمارات، وصولاً إلى ميناء حيفا، وهو ما يبشر بمرحلة جديدة، يكون فيها للاعب الصيني دور أكبر في صراعات المنطقة.
خامساً- إن تصاعد حدة الصراع في المشهد السوري، من شأنه أن يسهم في خفض جديد لقيمة العملة الوطنية، بعد محاولات البنك المركزي وقف تدهورها الأخير، ما يعني زيادة أكبر في معاناة السوريين، الذين تجاوزت نسبة من يعيشون منهم تحت خطّ الفقر أكثر من 90% من إجمالي عدد السكان.
ارتفاع وتيرة الصراع بين اللاعبين الدوليين والإقليميين في سوريا وفلسطين، من شأنها أن تعمّق مأزق سلطة الأمر الواقع في دمشق، لأن إمكانياتها لم تعد تسمح لها بأن تكون لاعباً فاعلاً، وإنما طرفاً منفعلاُ، وأداة وظيفية في أحسن الأحوال، وهو ما قد يمهّد لحدوث تحولات نوعية في منطقة الجنوب السوري، من جهة، وزيادة مستوى التهتّك الاجتماعي في مناطق سيطرته من جهة ثانية، وهو ما قد يجد تعبيراته في أشكال مطابقة، تسعى لتقاسم ما تبقى من النفوذ على مستوى أفقي.