التقرير السياسي

التقرير السياسي لشهر مارس/ آذار 2024

مع انسحاب المرشّحة الجمهورية نيكي هايلي من السباق الانتخابي، واستقرار المواجهة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة بين الرئيس الحالي جو بايدن، والأسبق دونالد ترامب، فإن الأولويات الداخلية بدأت تستحوذ على الاهتمام الأكبر لدى الإدارة الحالية، بعد أن استمرّت حالة العرقلة الجمهورية في الكونغرس، ضد تمرير حزمة مساعدات كبرى لأوكرانيا، بحوالي 60 مليار دولار، وهو ما يزيد من الأعباء على الحكومات الأوروبية، التي سارعت إلى إقرار حزمة مساعدات بقيمة 54 مليار دولار، للحدّ من التداعيات المحتملة على الحكومة الأوكرانية في حال نقص المساعدات، في الوقت الذي تشهد فيه أوروبا تحوّلات بما يخصّ الإنفاق الدفاعي، ومن بينها بولندا التي وقعت مؤخراً صفقة سلاح مع واشنطن بمليارات الدولارات، كما زادت بريطانيا أعداد قوّاتها، خصوصاً المدرعة، في ألمانيا. وفي البحر الأحمر، انخفضت حدّة التهديد الحوثي نسبياً، بعد الترتيبات الأمريكية والأوروبية والصينية، لحماية الملاحة والتجارة العالمية، وأيضاً، بعد سلسلة من جلسات التفاوض السرية غير المباشرة، التي قام بها وفدان أمريكي وإيراني في سلطنة عمان، ناقشا فيها تهديدات الحوثيين للسفن في البحر الأحمر، والأوضاع في غزة. وفي المجال الأمني، شهدت أوروبا، حالة من التنسيق الأمني عالية المستوى، بسبب وجود تهديدات محتملة، نتيجة مخاوف من حدوث هجمات إرهابية، قد تطال بعض عواصمها، مع ازدياد المتابعة الأمنية لما يعرف ب”الخلايا النائمة”، مقرّبة من فصائل راديكالية إسلامية، في الوقت الذي تشهد فيه عدد من الدول الأوروبية تصاعد الاحتجاجات النقابية، خصوصاً في فرنسا وألمانيا، بعد زيادة مستويات التضخّم، ونقص القدرة الشرائية، وخفض الدعم للمزارعين. إقليمياً، تبدو كلّ المحاولات العربية لإيقاف العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، غير قادرة على إحداث أي تأثير على سياسات حكومة نتنياهو، حتى في إطار الدعم الإغاثي، أو حماية المدنيين، الأمر الذي وضع “الاتفاق الإبراهيمي” موضع شك لدى فئات كثيرة في المجتمعات الخليجية من جهة، ودفع نحو اتخاذ إجراءات حكومية لتجميد بعض الأنشطة التجارية من جهة.على الجانب الفلسطيني، هناك خطوات متسارعة، لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الفصائلي والشعبي والحكومي، للتكيّف مع استحقاقات “اليوم التالي”، في غزة، وضمن هذا السياق، أتت تسمية الرئيس محمود عباس، لرجل الأعمال محمد مصطفى، من خارج “فتح”، لتجاوز الحساسيات والحسابات الداخلية، خصوصاً بعد جلسات الحوار التي عُقدت في موسكو، لتقريب وجهات النظر بين الفصائل، لكن، ومع ذلك، إلا أن التباين عاد للظهور بقوة بين السلطة الفلسطينية و”حماس”، بعد تكليف الأولى محمد مصطفى، بتشكيل الحكومة الجديدة، في الوقت الذي تستمرّ فيه النكبة الفلسطينية، وتزداد حدّة، مع استمرار إسرائيل بتهديداتها باجتياج مدينة رفح، مع كل ما يعنيه ذلك من مأساة إنسانية لحوالي مليون ونصف المليون مدني فلسطيني.وفي سوريا، توصل المبعوث الأممي غير بيدرسون إلى تحديد موعد الجولة التاسعة للجنة الدستورية، بين 22 و26 إبريل/ نيسان المقبل، من دون أن تكون هناك، كما في السابق، أية معطيات دولية ومحلية، خصوصاً مع استمرار غياب التوافق الأمريكي الروسي، تسمح بدفع عمل اللجنة إلى الأمام، بل أن الأوضاع الإقليمية الراهنة، تجعل انعقادها بلا أية أهمية تذكر. هناك انزعاج إيراني من الحليف السوري، وسط اتهامات لأجهزته، بتسريب معلومات استخباراتية لجهات خارجية، ومنها إلى إسرائيل، حول أماكن تواجد المستشارين العسكريين الإيرانيين في دمشق وضواحيها، وأن الاستهدافات خلال الشهرين الماضيين، لم تكن ممكنة، لولا وجود رصد ومتابعة على الأرض، من قبل أجهزة احترافية، المقصود بها أجهزة أمن سورية، تتولى بيع المعلومات لطرف ثالث. الأوضاع الأمنية والداخلية تزداد سوءاً، وتذهب نحو حالة من الانفلات في معظم أماكن سيطرة قوّة الأمر الواقع في دمشق، حيث تزداد حالات القتل والابتزاز والاغتيال والموت بمخلّفات الحرب، أو جرّاء الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع إيرانية، يقضي فيها مدنيون سوريون، حيث قضى في شهر فبراير/ آذار الماضي، في مجمل تلك الحالات 88 مدنياً، بالإضافة إلى اعتقال 53 مدنياً من قبل أجهزة الأمن، واختطاف 27 شخصاً. كما قضى 115 عسكرياً من قوات النظام والقوات الموالية له، بالإضافة إلى 53 شخصاً من الجنسية الإيرانية والميليشيات التابعة لإيران، باستهدافات إسرائيلية وأمريكية. وفي مناطق سيطرة “قسد”، تستمر حالة الاضطراب الأمني، والضربات التركية، والانتهاكات بحقّ المدنيين، والاقتتالات العشارية، حيث قضى خلال الشهر الماضي، 28 مدنياً، و28 عسكرياً، وفي مناطق “نبع السلام” تحت سيطرة الفصائل الموالية لتركيا، وقع 4 ضحايا، مدني و3 عسكريين، مع استمرار حالات الإحلال الديمغرافي، حيث نُقلت 50 عائلة من مهجري الغوطة من عفرين، وإسكانهم في منازل، كانت الفصائل قد استولت عليها لعائلات سورية كردية، كما شهدت بعض المناطق في إدلب وقفات احتجاجية عديدة، بعد مقتل شخص تحت التعذيب، في سجن ل”هيئة تحرير الشام”.وفي السويداء، يستمرّ الحراك السلمي، مع مخاوف من تصعيد أمني، خصوصاً بعد مقتل متظاهر مدني على يد عنصر أمن، في الوقت الذي بدأت تطرح فيه أسئلة جوهرية حول مصير الحراك نفسه، وما يمكن أن ينتج عنه سياسياً، في ظلّ الأوضاع الراهنة. الاقتصاد السوري، ومع دخول شهر رمضان، يشهد حالة غير مسبوقة من الركود منذ 50 عاماً، بحسب توصيفات اقتصاديين، خصوصاً مع هجرة إضافية لرؤوس أموال سورية نحو الخارج، بعد القوانين الصادرة بشأن التعامل بالدولار، وارتفاع التكلفة الجمركية على السلع، وازدياد عدد الإحالات للقضاء، على خلفية القانون الجديد، ويترافق كلّ ذلك، مع ظهور حالات مرضيّة غير مألوفة سابقاً، نتيجة تردي الخدمات العامّة، بالإضافة إلى النقص الحاد في الأدوية، وزيادة أعباء شريحة واسعة من السوريين. ووسط هذه الحالة المأساوية التي وصلت إليها البلاد، ظهر “رئيس النظام السوري”  في لقاء مع صحفي روسي، ليلقي بعض النكات “التي لا تليق بمقام رئاسة الجمهورية، حول أوكرانيا والغر ب، كما استقبل عدداً من الممثلين، الذين أتوا للقاء طوعاً أو إكراهاً، في حملة علاقات عامّة، سئم السوريون من تكرارها مراراً خلال السنوات الماضية، بأشكال عدة. نعتقد في الحزب الدستوري السوري (حدْس) أن: 1- الاهتمام الأمريكي الخارجي الممكن أمام الإدارة الحالية، قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيكون للمحافظة على التوازن العسكري في أوكرانيا، وحثّ الشركاء الأوروبيين على مواصلة الدعم، وبخصوص غزة، فإن الدعم العسكري والسياسي سيتواصل تجاه إسرائيل، مع محاولة لكبح حملتها العسكرية تجاه رفح، وتحسين الأوضاع الإغاثية، مع دعم للسلطة الفلسطينية كي تكون حاضرة لإدارة غزة، في ما يسمى “اليوم التالي”. 2- تصاعد حدّة العجز الإقليمي في الوصول إلى تسويات، لتظهير منظومة أمن واستقرار، وتراجع مكانة الاقتصادي على حساب العسكري والأمني، وزيادة الاعتماد على اللاعبين “غير الدولتيين” من الفصائل والميليشيات، كل ذلك، يزيد من احتمالية انتعاش دورة عنف جديدة في المنطقة. 3- ازدياد حدّة الانفلات الأمني الداخلي في مناطق سلطة الأمر الواقع في دمشق، واهتراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يؤكدان على أن النتائج التي كانت هذه السلطة تمني النفس بها، نتيجة التطبيع العربي، لم تكن في محلّها، وأن الأوضاع مرشّحة لمزيد من التدهور في مناطقها.      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق