التقرير السياسي لشهر سبتمبر/ أيلول 2024
بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عدم ترشّحه لولاية ثانية، لمصلحة نائبته كامالا هاريس، تحاول الإدارة الحالية الحصول على إنجاز من خلال الوصول إلى هدنة في غزة، بعد فشل متواصل منذ أشهر في الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، لكن من دون جدوى، حيث يتمسّك نتنياهو بمواصلة الحرب، بل وزيادة احتمالية إشعال جبهة الجنوب اللبنالني.
استطلاعات الرأي حول المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تبدو متقاربة بين الرئيس الأسبق دونالد ترامب وكامالا هاريس، في الوقت الذي تنتظر فيه الكثير من دول العالم نتائج الانتخابات، خصوصاً لما قد يحدثه فوز ترامب من تغيّرات دراماتيكية في مواقف واشنطن من قضايا عديدة حساسّة في الساحة الدولية.
وفي هذا السياق، يمكن فهم التطوّرات العسكرية في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث زادت واشنطن ومعها دول غربية من دعمها المالي والعسكري لكييف، ما مكّن قواتها من التوغّل في مقاطعة كورسك الروسية، الأمر الذي يقوي من موقفها التفاوضي لاحقاً في مواجهة موسكو، التي سيطرت منذ بداية حربها في فبراير/ شباط 2024 على مدن ومساحات واسعة في شرق أوكرانيا، تقدّر بخمس المساحة الإجمالية للبلاد.
وفي أوروبا، صعود اليمين عموماً، واليمين المتطرف خصوصاً، يأخذ منحى ثابتاً في تقدّمه، حيث أحرز “حزب البديل” في ألمانيا المركز الأول في الانتخابات المحلية في مقاطعة تورينغن، والثاني في سكسونيا، بما عرف ب”اليوم الأسود”، لما بثّه من مخاوف من عودة التطرّف القومي للحكم، ومن المتوقع أن يتواصل تأثير صعود اليمين على أوضاع عموم اللاجئين، وخصوصاً اللاجئين السوريين، حيث جرى تشديد الإجراءات الوطنية في عدد من الدول ضد اللاجئين، وفي مقدّمتها عودة نقاط التفتيش الثابتة في الحدود البرية.
وفي الحرب الإسرائيلية على غزة، تظهر حالة من الاستقرار العملياتي في غزة، لكن مع صعود نسبي لمؤشرات انتفاضة فلسطينية في الضفة، لا تبدو إلى الآن أنها حتمية، واستمرار وضع إسرائيل العقبات المتتالية في وجه التوصّل إلى اتفاق بشأن هدنة مستمرة، كما لا يوجد تصوّر إقليمي ودولي واضح حول “اليوم التالي” في القطّاع المنكوب عمرانياً وإنسانياً، في الوقت الذي وسّعت فيه إسرائيل عملياتها النوعية، مع توجيهها أشدّ ضرباتها منذ سنوات لمواقع في وسط سوريا، والقيام بإنزال جوي في مركز البحوث العلمية في مدينة مصياف وتفجيره، بالإضافة إلى تفجير أجهزة “بيجر” وأجهزة لاسلكي، يحملها عناصر من “حزب الله” وعاملون مدنيون في مؤسسات تابعة له، استهدفت حوالي أربعة آلاف شخصاً، وأوقعت عدداً من القتلى، وإصابات بالغة الشدة، أدت إلى عمى وبتر أطراف لدى المئات.
ووسط هذه التطوّرات الدراماتيكية في سوريا ولبنان، بقي “النظام السوري” عند حدود الردّ الإعلامي منخفض اللهجة، مستمراً في سياسة النأي بالنفس التي اتبعها منذ “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، في الوقت الذي تراجعت فيه مؤشرات تقدّم عملية المصالحة مع النظام التركي، على الرغم من إسقاط بشار الأسد للشروط المسبقة للمصالحة مع تركيا، في خطاب افتتاح أعمال “مجلس الشعب” الجديد، حيث أتت التصريحات الرسمية التركية، على لسان وزير الدفاع يشار غولر، الذي حدد عدداً من الشروط، وهي “إجراء انتخابات بمشاركة جميع الأطياف، ومراعاة مطالب الشعب السوري، وتأمين الحدود، وضمان العودة الطوعية للاجئين”، وهذا التشدّد التركي، أكدته تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حول ضرورة العودة إلى الإطار الرباعي الذي يضم روسيا وتركيا وإيران وسوريا، أي العودة إلى التدرّج من الإطار الأمني إلى السياسي، وكان هذا الإطار قد جُرب أكثر من عامين من دون إحراز نتائج نوعية.
الأوضاع الأمنية في كامل الجغرافيا السورية، تبدو أنها ذاهبة من سيء إلى أسوأ، مع اختلافات نسبية غير جوهرية بين مناطق سلطات الأمر الواقع، وحسب خصوصية كلّ منها، ومن ضمن مؤشرات زيادة الانفلات الأمني، ارتفاع العمليات التي يقوم بها تنظيم “داعش”، حيث نفّذ التنظيم منذ بداية العام ولغاية الآن عمليات أودت بحياة حوالي 500 شخصاً، كما تستمر فصائل وعصابات بعمليات خطف وابتزاز مالي، وهذا المشهد الأمني، يترافق مع ازدياد تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع كارثي في أسعار متطلبات المعيشة، خصوصاً مع عودة فصل الشتاء، وما يرتبط به من احتياجات في مجال الطاقة، وعجز البنك المركزي عن تأمين القطع الأجنبي (الدولار واليورو) للاستيراد، في ظل تراجع عمليات التصدير، التي تشكل رافداً أساسياً للبنك من القطع الأجنبي.
نحن في الحزب الدستوري السوري (حدْس)، نرى أن الشهرين التاليين سيشهدان مزيداً من التصعيد الإسرائيلي، تزامناً مع نهاية ولاية الرئيس جو بايدن، بما يسمح لبنيامين نتنياهو إجراء ترتيبات سياسية وقانونية جديدة في إسرائيل، وتحقيق هزيمة قوية ل”حزب الله” بشكل خاص.
وفي ملف العلاقات السورية التركية، لن يكون هناك أية فرصة جدية، ضمن المعطيات الراهنة، لإحراز أي تقدم نحو مصالحة بين النظامين.
.