التقرير السياسي

التقريرالسياسي لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024

انتهت الانتخابات الأمريكية بفوز دونالد ترامب بفارق كبير على المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس، وعودته مرة أخرى لقيادة الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي كانت تخشاه الكثير من الدول، نظراً للسياسات الحادّة التي اتخذها في ولايته الأولى (2016-2020)، وتأتي عودة ترامب للحكم في أوضاع عالمية وشرق أوسطية مضطربة، سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً.

السؤال الأكثر أهمية في التداول الدولي مرتبط بالمدى الذي سيذهب إليه ترامب في تغيير سياسات بلاده، عما كانت عليه في عهد الرئيس بايدن، الذي سيغادر الحكم في 20 يناير/ كانون الثاني من العام المقبل.

في أوروبا، هناك الحرب الروسية الأوكرانية، حيث قدّمت واشنطن دعماً كبيراً لكييف في مواجهة روسيا، مالياً وتسليحياً، وحثّت الأوروبيين على الدعم، وبالتالي، فإن الأوروبيين، خصوصاً ألمانيا وفرنسا، بانتظار الوجهة التي سيسلكها الرئيس ترامب لمعالجة هذا الملف، خصوصاً أنه وعد خلال حملته بإنهاء الحرب.

وفي اليوم الذي أعلن فيه فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية، تفكّك الائتلاف الحاكم في ألمانيا، وتلا ذلك، دعوة لإجراء انتخابات مبكرة في فبراير/ شباط المقبل، ويأتي هذا التفكك بعد فشل الائتلاف الحالي في عدد من التحديات، وفي مقدمتها الاقتصاد الذي يعاني من مشكلات عديدة، قد تكون مرشّحة للازدياد في عهد ترامب، خصوصاً لجهة فرض ضرائب على منتجات أوروبية أساسية، خصوصاً في مجال صناعة السيارات.

 ملف المواجهة مع الصين، الذي يبقى التحدي الأهم بالنسبة للولايات المتحدة، بغضّ النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، يشكّل هاجساً كبيراً للإدارة التي ستعمل تحت قيادة ترامب، للاستفادة من المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الصيني بعد جائحة كورونا، والتي عانت كثيراً لمواصلة النمو السابق.

وفي الشرق الأوسط الذي تشتعل فيه الحرب على جبهات عديدة، تشكل إسرائيل القاسم المشترك بينها، فقد سارع بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى إقالة وزير دفاعه يوآف غالانت، وتعيين يسرائيل كاتس، بدلاً عنه، وهو من الصقور في حزب الليكود.

وفي محاولة لزيادة الضغط على إسرائيل لوقف نهجها التدميري في غزة ولبنان، انغقدت القمة العربية الإسلامية في الرياض، وأصدرت بياناً تطالب فيه مجلس الأمن بإصدار قرار  يلزم إسرائيل بوقف الحرب على غزة، ومنع تصدير السلاح إلى إسرائيل، وإدخال المساعدات إلى أهالي غزة المنكوبين.

نحن في الحزب الدستوري السوري (حدْس)، نعتقد أن وقف الحرب الروسية الأوكرانية لن يكون سهلاً، وبطبيعة الحال، فإن ترامب لن يقدّم مكافأة مجانية لموسكو، التي تعاني في مجالات عدة، خصوصاً لجهة النقص في أعداد المقاتلين، الذي أظهره بوضوح، استقدام آلاف الجنود من كوريا الشمالية، لدعم الخطوط الأمامية في كورسك الروسية، التي دخلتها القوات الأوكرانية في أغسطس/ آب الماضي، كما أنه لا يستطيع تجاهل وجهة النظر الأوروبية حول منع روسيا من إحراز نصر ديبلوماسي، يفوق إمكانتها العسكرية.

بطبيعة الحال، سيعاود ترامب الضغط على الدول الأوروبية، غير الملتزمة بدفع ما يترتّب عليها من الإنفاق الدفاعي، والمقدّر بنحو 2% من الناتج القومي لكل دولة، وهو ما لا تلتزم فيه جميع الأعضاء إلى الآن، مع أن عدد الدول التي تلتزم هذا الحدّ من الإنفاق زاد بعد الضغوطات التي أجراها ترامب في ولايته الأولى.

بما يخصّ الصين، فإننا نعتقد بأن ترامب سيعين في إدارة هذا الملف صقور الجمهوريين، لزيادة الضغط على بكين، وفرض ضرائب على منتجاتها المصدرة لبلاده، خصوصاً السيارات الكهربائية، وفرض قيود في مجالات الذكاء الصناعي، خصوصاً بعد الدعم الذي قدّمه له الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، في الانتخابات، وكان له دور رئيسي في نجاح ترامب.

ونعتقد أن ترامب سيقدّم دعماً قوياً لإسرائيل ونتنياهو شخصياً، من أجل وضع ترتيبات اليوم التالي في غزة، بما يتناسب، إلى حد بعيد، مع رؤية نتنياهو الأمنية للقطاع، وعدم عودة “حماس” وقادتها إلى قيادة القطاع، وفي لبنان، فإن يد إسرائيل المطلقة حالياً، ستبقى كذلك، إلى أن تحقّق أهدافها العسكرية، ليس فقط ضد “حزب الله”، وأيضاً ضد عودة حاضنته الشعبية إلى الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.

والأهم، برأينا، أن ترامب سيقوم بدعم أكبر لإسرائيل تجاه إيران، خصوصاً أنه انسحب في ولايته الأولى من الاتفاق النووي مع إيران، لصياغة منظومة أمن واستقرار جديدة، تكون فيها إسرائيل قادرة على تحقيق أمنها، والإسهام في تسريع العمل على بناء خطّ التجارة من الهند إلى أوروبا وآسيا، غبر ميناء حيفا.

في سوريا، من المرجّح إلى حدّ كبير نسبياً أن تقوم إدارة ترامب بجدولة انسحاب قوات بلاده من شمال شرق سوريا، وهو القرار الذي كان عازماً على تنفيذه في 2019، لولا اعتراض وزارة الدفاع أنذاك، و بالتالي، فإن جدولة انسحاب القوات قد تكون أفضل من وجهة نظره، من الانسحاب المفاجىء، على غرار الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان.

ولذلك، نحن نرى أن منطقة شمال شرق سوريا، سوف تكون عرضة لتوترات عدة، خصوصاً مع وجود نية تركية بعمل بري، لتضييق الخناق على “قوات سوريا الديمقراطية”.     

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق