أخبار سورية

مناطق النظام:  كيف انعكست المعارك على الرأي العام؟  

“حدْس”- المكتب الإعلامي”:

في رصد لردود أفعال الشارع السوري في مناطق النظام، هناك ما يشبه الإجماع على أن التقدّم الذي أحرزته “فصائل المعارضة” في الأيام الأخيرة، لا يمكن مواجهته بالشعارات التي سادت طوال الأعوام الماضية، وأن دعوات النظام لقتال ما يسميهم “الإرهابيين” تحت شعارات الوطن، أو حفاظاً على الطائفة، أو تقديمه إغراءات مالية، ومن ضمنها غنائم الحرب، هذه الدعوات لا تلقى اليوم أي تصديق.

زلزال انتصارات فصائل “المعارضة المسلحة”، وسيطرتها شبه التامة على كامل محافظة حلب وحماة، بعد تقهقر قوات النظام السوري والمليشيات التابعة له، والانسحاب السريع من المواقع والمنشآت العسكرية، نزع ورقة التوت عن عورة المؤسسة العسكرية لدى النظام الحاكم،  بعد ثلاثة عشرة عاماً من بدء المعارك في سوريا، لتكشف عن مدى هشاشة الجيش والأمن فيه، وما آلت أليه هاتين المؤسستين من استشراء للفساد على الصعد والمستويات كافة، ومن سوء الإدارة والتدريب والتنظيم، والأهم من كل هذا هو فقدان مكانته ومصداقيته كمؤسسة مبنية على أسس وعقيدة وطنية شعارها كان وطن … شرف… إخلاص.

جو مشحون بالحذر والتململ والذهول هو السائد حالياً في مناطق سيطرة النظام السوري، التي كانت لعقود من الزمن خزانه البشري الذي أعتمد عليه في بناء الجيش والأمن، فأحاديث الناس في دمشق وحمص والساحل السوري مقتصرة فقط على السؤال والإطمئنان عن أحوال الأبناء على جبهات القتال، وصفحات مواقع التواصل الإجتماعي منذ بدء الهجوم الأخير، تشير إلى تحوّل في التعاطي مع الأخبار، فالمنشورات والصور أقتصرت فقط على العساكر الذين قتلوا أو أسرو في المعارك، وعلى نشر أخبار معارك الجيش والميدان،  أما صور زعيم النظام السوري بشار الأسد وأخيه التي طالما تغنى وتفاخر بها الموالون، مرفقة بعبارات الحب والولاء الأعمى (منحبك، منحبك)، و( هكذا تنظر الأسود )، تكاد تكون شبه معدومة، بما يشي بتراجع شعبيته ومصداقيته لدى شرائح واسعة من الناس.

عزوف عن القتال

“لن أذهب مجدداً”،  موقف يكاد يجمع عليه كثير من الشباب والرجال الذي شاركوا مسبقاً في المعارك التي خاضها النظام، وهو الجواب الذين حصلنا عليه من عدد من الشباب الذين خدموا سابقاً في الجيش على الجبهات،  فالذين قاتلوا تحت مسميات الخدمة الالزامية والاحتياطية ممن نجوا من الموت، وصلت مدة خدمتهم إلى حوالي 9 سنوات.

أما المتطوعون، فيمكن فهم أوضاعهم من آلاف الطلبات التي قدّمت خلال العام الأخير للتسريح من الخدمة، بعد أن صدر قرار من قيادة الجيش يسمح بتقديم مثل هذه الطلبات، حين أعلن النظام السوري “انتصاره في المعركة على الإرهاب”، لكن لم يستجب لتلك الطلبات نتيجة وصولها إلى عدد كبير مضرّ بتركيبة وعدد القوات المسلحة.

أما الرجال والشبان الذين قاتلوا ضمن مليشيات تابعة للجيش ( الدفاع وطني، وصقور الصحراء، وقوات النمر)، فقد جرى حلّ بعضها أو حجم دوره في السنوات الأخيرة، والكثير منهم أودعوا السجون بعد تورطهم في عمليات قتل وخطف وسلب وتجارة مخدرات، وتبقى مشاركة هؤلاء بالقتال مرهونة بقرار النظام الزجّ بهم في المعركة الحالية، من خلال إطلاق سراحهم، وتقديم مغريات لهم.  

أزمة النقص الراهنة في أعداد عناصر الجيش والمليشيات التابعة له بعد انسحاب عناصر “حزب الله” اللبناني والعناصر الايرانية، دفعت النظام وعبر العديد من أزلامه، خصوصاً في الساحل، ومنهم وسيم الأسد، إلى تقديم عروض تطوّع مدنية من أجل القتال، مستغلة الوضع الاقتصادي المتردي، بأجور وصلت إلى 5 مليون ليرة في الشهر، وهو أعلى أجر سجل حتى الأن طيلة السنوات الماضية لمقاتلي النظام.

لم تمت ألم تشاهد غيرك كيف مات

في الوقت الذي لم تتجاوز فيه العائلات التي فقدت أبنائها في القتال ضمن الجيش أو الفصائل الرديفة صدمتها وإحساسها بالخذلان من “القيادة الحكيمة”، التي لم تفِ بوعدها لهم، بتأمين حياة كريمة لذوي الشهداء، يصعب عليها الزجّ بأبنائها في أتون الحرب مرة أخرى، خصوصاً أن مشهد ضباط وعساكر فارين من المعارك الأخيرة، يجعلهم يدركون سلفاً حجم الانهيار الحاصل في المؤسسة العسكرية.

وتنتشر حالياً كالنار في الهشيم القصص حول الانسحاب غير المنظم لقوات النظام من أرياف حلب وحلب، وعدم التنسيق بين الضباط وصفّ الضباط والأفراد، وهروب كبار القادة، تاركين العناصر الأقل رتبة لمصيرها المجهول، وهي تجعل ممن رأى نتائج السنوات الماضية، وأخبار اللحظة الحالية، ألا يثق بأنه يمكن له النجاة من المعركة، فيما لو تطوّع للقتال في صفوف النظام.

تدهور اقتصادي متسارع

تعيش حالياً المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، أسوء أزمة أقتصادية في ظل تدهور متسارع في قيمة الليرة السورية، وارتفاع جنوني في أسعار المواد التموينية وشحّها في الاسواق، ما أضطر المحال التجارية إلى أغلاق أبوابها، خوفاً من استمرار انخفاض قيمة الليرة،  وفي غياب كامل للمؤسسات المعنية بمتابعة ومراقبة حركة الاسواق وضبطها.

وخلال أيام قصيرة عانت مناطق سيطرة النظام، خصوصاً في اللاذقية وطرطوس، أزمة في توفر شقق الأجار بعد نزوح الألاف من حلب وحماة هرباً من  المعارك العسكرية، وتقدم فصائل المعارضة المسلحة، لتصل أسعار  أجار المنازل في بعض المناطق إلى 3 مليون ليرة في الشهر.

دعوات لحمل السلاح خارج سلطة الجيش

الأجواء العامة المشحونة بالقلق والخوف من السيناريوهات المحتملة، خصوصاً سيناريو سقوط حمص، أو وصول قوات “ردع العدوان” إلى دمشق، أو دخولها الساحل، دفعت نحو تداول اقتراح حمل السلاح، خارج سلطة الدولة، وذلك من أجل تأمين الدفاع الذاتي عن المناطق والبيوت والممتلكات، إذ أنه رغم كل التطمينات التي قدّمتها الفصائل المسلحة في حلب للمدنيين، إلا أن المخاوف من حصول مواجهات طائفية لا يمكن تهدئتها عند الكثيرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق