التقرير السياسي لشهر مايو/ أيار 2024
أقرّ الكونغرس الأمريكي مؤخراً ثلاث حزم مساعدات، لأوكرانيا، وإسرائيل، وتايوان، منهياً بذلك حالة من العرقلة الجمهورية، امتدّت لأشهر، وتأتي هذه الخطوة بمنزلة إنقاذ سريع، خصوصاً لأوكرانيا، التي عانت قواتها المسلّحة من نقص شديد في الأسلحة والذخائر، في الوقت الذي عوّض فيه عدّوها الروسي الفاقد من ذخائره من حليفه الكوري الشمالي، والأمر ذاته، ينطبق جزئياً على إسرائيل التي استهلكت قسماً كبيراً من مخزونها، خلال الأشهر الماضية.
وفي 13 من أبريل/ نيسان الماضي، انشغل العالم كلّه بما قد ينجم عن الهجوم الجوي الإيراني على إسرائيل، حيث استهدفت طهران في عملية بعنوان “الوعد الصادق” إسرائيل، بمئات المسيّرات والصواريخ البالستية، والتي فُجرت قبل وصولولها لأهدافها، أو حُيّدت عن مسارها لتسقط في البحر الأحمر، وذلك بتعاون إسرائيلي أمريكي فرنسي بريطاني، ومشاركة من الأردن، ومن خلال تنسيق بين ثلاث منظومات دفاع جوي، وقد جرى تحييد أكثر من 99% من المسيّرات والصواريخ الإيرانية.
هذا الهجوم الفاشل من الناحية العسكرية، استدعى ردّ فعل إسرائيلي، نفذته طائرات إف 35، التي استهدفت قاعدة عسكرية في محيط مدينة أصفهان، وقد كان واضحاً ومتفقاً عليه، أن يكون ردّاً محدوداً ورمزياً، لمنع توسيع رقعة المواجهة الإقليمية، في الوقت الذي تواجه فيه حكومة بنيامين نتنياهو تحديات ومشكلات داخلية عديدة، في مقدمتها غياب تصوّر واضح عن النهايات العسكرية والسياسية لحربها ضد الفلسطينيين في غزة، واستمرار وتصاعد الضغط الشعبي للوصول إلى تسوية بشأن الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس”، ومحاسبة القيادات المسؤولة عن فشل توقع هجوم السابع من أكتوبر الماضي.
وفي ملف التفاوض بين إسرائيل و”حماس” للوصول إلى تسوية، تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وافقت “حماس” على الخطة المصرية – القطرية، والتي صيغت بمشاركة أمريكية، لكن حكومة بنيامين نتنياهو رفضتها، بل وردّت عليها، بعملية ما تزال محدودة في رفح، مع التلويح بتوسيعها، بحجة القضاء على (4) كتائب، تقول إنها موجودة في رفح، وهو ما يعني حال حدوثه، كارثة إنسانية، ستطال حوالي مليون و300 ألف فلسطيني.
مقابل هذا الوضع المأساوي الذي يعانيه مدنيو غزة، وخسارة أرواح عشرات الآلاف، وتهديم البنى السكنية والخدمية والتعليمية، هناك موقف آخذ في التبلور دوليا، شعبياً ورسمياً، يدين إسرائيل، ويتهمها بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، واللافت في الموجة الثانية المتعاطفة مع قضية فلسطين، أن مركزها في قلب أعرق الجامعات الأمريكية، والتي تعد مركز النخبة المستقبلية، وتضم أبناء الطبقة الميسورة، كما شهد الملف السياسي/ القانوني للقضية الفلسطينية تقدّماً لافتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع التصويت لمصلحة إقامة دولة فلسطينية، وعلى الرغم من وجود فيتو أمريكي في مجلس الأمن، لكن هذه الخطوة، ستمنح البعثة الفلسطينية امتيازات أكبر، كما أن هناك دولاً تستعد لإعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية.
وفي ملف اللاجئين السوريين في لبنان، قدّم الاتحاد الأوروبي مبلغ مليار يورو، حوالي ثلثي هذا المبلغ مقابل رعاية الحكومة اللبنانية للاجئين السوريين في أراضيها، والثلث الباقي لدعم لبنان، وذلك ابتداءً من هذا العام ولغاية عام 2027، وأعلن الاتحاد الأوروبي عن الصفقة في زيارة قامت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، وذلك في محاولة لمنع الهجرة إلى أوروبا عبر الشواطئ اللبنانية، خصوصاً بعد التدفق الكبير للاجئين السوريين إلى جزيرة قبرص في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، حيث قّدر عدد من وصلوا قبرص عبر لبنان، حوالي 2000 لاجئاً.
في محافظة السويداء، قام “النظام” بتعزيز قواته في مطار خلخلة، وذلك من خلال الدفع بمئات العناصر، و10 دبابات، وحوالي 100 سيارة، مدعومة برشاشات متوسطة، في الوقت الذي يشيع فيه إعلام “النظام” إلى “قرب إنهاء مشروع الانفصال في السويداء”، كما جرت مشاورات عديدة، سياسية وأمنية بين “النظام” والأردن ولبنان، وعبر وسطاء مع إسرائيل، ويبدو أن تعزيز قوات “النظام”، يأتي في إطار تفاهمات جرت مع دول الجوار، وبتنسيق مع القيادة العسكرية الروسية في حميميم، وهو ما ينذر –نسبياً- باحتمال حدوث تطورات ميدانية في محافظة السويداء، من قبيل حدوث تفجيرات، أو اغتيال ناشطين، مع استبعاد (مؤقت) لمحاولة إقدام النظام على المواجهة المباشرة مع الأهالي والمتظاهرين في السويداء.
وفي تطوّر معطوف على سابقتين آخرتين (القتال في ليبيا وأذربيجان)، وصل حوالي 550 عنصراً من مقاتلي الفصائل الموجودة في “الجيش الوطني” المدعوم تركياً إلى النيجر، للقتال إلى جانب شركة عسكرية روسية، في الوقت الذي يتدرّب فيه حوالي 1000 مقاتل آخر، للالتحاق بالقتال في النيجر، في مفارقة لافتة، حيث تزعم هذه الفصائل أنها تقاتل الروس في سوريا، بينما تزوّد روسيا بالمقاتلين في النيجر، وتتولى تركيا التنسيق بين هذه الفصائل وبين الشركة العسكرية الروسية، بإبرام عقود مع المقاتلين، حيث تُقدّم لهم إغراءات مالية، قياساً إلى رواتبهم الشهرية الضئيلة في الفصائل.
في الوضع المعيشي/ الأمني، ازدادت منذ بداية العام الجاري عمليات القتل على خلفية السرقة، أو الثأر، في مختلف المناطق السورية، حيث قضى حوالي 50 مواطناً خلال شهر أبريل/ الماضي، بينهم 5 نساء، و11 طفل، كما ازدادت عمليات الاعتقال من قبل أفرع النظام الأمنية، حيث اعتقل حوالي 300 مواطناً، منذ بداية العام الجاري، كما أن قصف الاحتلال الإسرائيلي أهدافاً داخل سوريا، ينجم عنه ضحايا مدنيون، نتيجة تواجدهم في أماكن قريبة من المواقع المستهدفة في القصف.
نحن في الحزب السدتوري السوري نعتقد:
1- الولايات المتحدة والغرب تكيّفا على نطاق واسع، بل ومريح نسبياً، مع حالة الاستعصاء الموجودة في الحرب الروسية الأوكرانية، ويبدو أن هذا التكيّف يتحوّل بحد ذاته إلى هدف معقول بالنسبة لهما، خصوصاً مع عودة الانتعاش إلى الاقتصاد الأمريكي، واستنزاف روسيا للريع النفطي في عمليات التسليح، ومحاولة تكيّفها مع العقوبات المفروضة عليها، كما تشهد عمليات التصنيع العسكري الغربية عموماً نوعاً من الفورة في الإنتاج والتصدير.
2- أن الاستهداف الصاروخي الإيراني لإسرائيل، كان رسالة داخلية بالدرجة الأولى، ولحلفاء طهران في المنطقة، أكثر من كونه استهدافاً جدياً لإسرائيل، إذ تعلم طهران مسبقاً أن منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية والغربية، قادرة على احتواء هذه الهجمة، وتصفير أي تهديد لها، وبالمقابل، كان الردّ الإسرائيلي المحدود، رسالة داخلية بالدرجة الأولى، لكنه أيضاً، رسالة إلى إيران، حول الفارق النوعي في التسليح.
3- أنه بغضّ النظر عن ما تسببّ به انفراد “حماس” بقرار السابع من أكتوبر، لضرورات خاصّة بها كحركة، والتأثير الكارثي على المدنيين الفلسطينيين في غزة، فإن القضية الفلسطينية أحرزت تقدّماً على مستوى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى التحوّل الكبير الذي طرأ على صورة إسرائيل في العالم، من دولة “متحضّرة”، و”ديمقراطية” إلى دولة تقوم بجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
4- إن صمت الكيانات التمثيلية للمعارضة السورية عن الأوضاع في منطقة سيطرة قوى الأمر الواقع في إدلب “الجولاني”، أو تحت سيطرة فصائل “الجيش الوطني”، هو استمرار لانفصال هذه الكيانات عن الحالة الوطنية السورية، وارتهان قرارها الكلّي للخارج، بالإضافة إلى مستوى الهيمنة التركية على هذه المناطق، وتحويلها إلى رافد تركي خالص، وورقة للبازار السياسي.
5- أن محاولات “النظام” إجراء بعض التعديلات في “حزب البعث” وتغيير علاقته بالسلطة، ليست إلا لملئ حالة الفراغ التي يعيشها، في الوقت الذي تتراجع فيه كل مقوّمات الاقتصاد والمعيشة والأمن.
6- إن تكتيك “النظام” المتوقّع تجاه حراك محافظة السويداء هو تفجير السلم الأهلي، لبعثرة الحراك، بالإضافة إلى مزيد من الضغط العسكري والاقتصادي.