سوريا: مروحة المواقف الإقليمية والدولية بين التشدد والحذر والدعم المشروط
“حدْس”- وائل الشهابي:
مع استمرار التحولات السياسية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تتشكل مواقف الدول الإقليمية والدولية تجاه الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع وسط توترات أمنية متصاعدة، خاصة في الساحل السوري.
خلال الأسبوع الماضي، تباينت الرؤى بين دعم مشروط دبلوماسي حذر ، ومواجهة مصالح متضاربة، ما يعكس تعقيد المشهد السوري الجديد. من إسرائيل إلى روسيا، ومن الاتحاد الأوروبي إلى الدول العربية، تبرز هذه المواقف كمحاولات للتأثير على مسار الانتقال السياسي، بينما تظل الأزمة الإنسانية وأمن الحدود في صدارة الاهتمامات.
الموقف الإسرائيلي:
- تتبنى إسرائيل موقفًا متشددًا تجاه حكومة أحمد الشرع في دمشق وفقًا لتطورات محتملة استنادًا إلى تقارير وتصريحات رسمية. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان قد صرّح أن “أي تقارب بين الشرع أو فصائل مدعومة من إيران سيواجه ردًا عسكريًا حاسمًا”، متسقًا مع تصريحاته في يناير 2025 حول ضرورة وجود إسرائيل “المؤقت” في جنوب سوريا. وزير الدفاع يسرائيل كاتس واصل هجومه اللفظي، واصفًا الشرع بـ”الإرهابي الجهادي”، مضيفًا اتهامات جديدة حول “عدم استقرار حكومته”، محذرًا من تدخل عسكري إذا لزم الأمر.
- وزير الخارجية جدعون ساعر، دعا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تشديد العقوبات على سوريا، معارضًا اقتراح كايا كالاس برفعها في يناير 2025، وحذر من “خداع الشرع للمجتمع الدولي”. كما سعت إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع روسيا لكبح النفوذ التركي.
- تظهر إسرائيل موقفًا قد يكون أقرب إلى ما يسمى “الاحتواء العدائي” تجاه الحكومة السورية المؤقتة، مع استمرار العمليات العسكرية والمراقبة الاستخباراتية. على الرغم من تصريحات الشرع الإيجابية، من المرجح أن تستمر إسرائيل في مراقبة الحكومة بعناية، مع التركيز على الأمن الحدودي والتهديدات الإقليمية، لكن الأفعال العسكرية تشير إلى استمرارية السياسة الاستفزازية بقصف مواقع عسكرية في سوريا، وتشير تقارير صحفية إلى نقاشات و توجهات حول احتمال توطين عدد من سكان غزة في سوريا.
الموقف التركي:
- تستمر تركيا بالإعراب عن دعمها للحكومة السورية المؤقتة، خاصة في الأمن والإعمار، أما عن تأثير أزمة رئيس بلدية اسطنبول و المرشح الرئاسي المحتمل أكرم إمام أوغلو على العلاقة مع دمشق، فهو تأثير غير مباشر، ولكنه ملحوظ في السياق الداخلي التركي. حزب الشعب الجمهوري، بقيادة إمام أوغلو وأوزغور أوزيل، يتبنى موقفًا أكثر انفتاحًا تجاه التطبيع مع سوريا، حتى في عهد الأسد، مقارنة بالحذر الذي ميز سياسة أردوغان السابقة. مع تولي حكومة الشرع السلطة، دعا إمام أوغلو إلى تعاون إنساني واقتصادي مع دمشق، مع التركيز على عودة اللاجئين كأولوية وطنية، وهو ما يتماشى جزئيًا مع خطاب الحكومة الحالية، لكنه يختلف في الأسلوب والدوافع.
- هذه الأزمة تضع ضغطًا على أردوغان لإظهار نجاح سياسته السورية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المحتملة في 2028 أو أي انتخابات مبكرة. إذا نجح إمام أوغلو في تعبئة الرأي العام ضد الحكومة بسبب إدارتها لملف اللاجئين أو العلاقات مع دمشق، فقد يدفع ذلك أردوغان إلى تبني مواقف أكثر حزماً تجاه حكومة الشرع، مثل الضغط للحصول على ضمانات أمنية إضافية ضد الأكراد. على سبيل المثال، قد تسعى تركيا إلى تعزيز وجودها العسكري في شمال سوريا لإثبات قوتها .
- باختصار، بينما تستمر تركيا في دعم حكومة الشرع لأسباب استراتيجية، فإن أزمة إمام أوغلو تضيف بُعدًا داخليًا، من المحتمل أن يؤثر على أولويات أنقرة، وأسلوبها في التعامل مع دمشق. لكن من منظور إقليمي، تظل ديناميكيات القوة مع اللاعبين الخارجيين أكثر حسمًا في تشكيل هذه العلاقة.
الموقف الأمريكي:
- أصدرت الولايات المتحدة عدة مواقف متباينة تجاه الوضع في دمشق في الأسبوع الماضي، ما أثار تساؤلات حول اتساق السياسة الأمريكية. الموقف الأول جاء عبر رسالة من عضو في مجلس الشيوخ وآخر في مجلس النواب، طالبوا فيها برفع العقوبات عن سوريا لتنشيط الاقتصاد، مع فرض عقوبات محددة على “هيئة تحرير الشام”. في المقابل، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن تركيز السلطة بيد فرد واحد أمر غير مقبول، مشيرة إلى أنها تراقب التطورات ولن ترفع العقوبات في المدى القريب. أما الموقف الثالث فحمَل نبرة تفاؤلية، حيث أعرب موفد الرئيس ترامب للشرق الأوسط ،ستيف ويتكوف، عن أمله في وجود تعاون بين واشنطن ودمشق لإحلال السلام بالمنطقة، بعد استكمال تسوية لبنانية-إسرائيلية مرتقبة بنهاية 2025.
- تتفق هذه المواقف على رغبة واشنطن في رؤية تغيير جوهري في دمشق، يقودها انتقال حقيقي من مرحلة الثورة إلى بناء دولة تكتسب ثقة المجتمع الدولي. وتشدد الإدارة الأمريكية على أن تتخلى القيادة الجديدة في سوريا عن أيديولوجيتها الجهادية السابقة و هذا ما أكد عليه مؤخراً نائب الرئيس الأمريكي، “جاي دي فانس، في أحدث لقاءاته قائلا “علينا ان لا ننسى مع مع نتعامل و لا نريد أحد أن يهاجمنا بطائرات كما حصل سابقاً، كما أننا لا نريد أن تباد مجتمعات مسيحية عن وجه البسيطة، وألا تتعرض مجموعات دينية أخرى للقتل ووالإضطهاد متل الدروز و العلويين”. وتتبنى الإدارة الأمريكية توجهاً نحو دعم حكم شامل يقوم على مبدأ المواطنة، وبحسب المواقف، فإن واشنطن تتوقع أن ينبع التغيير من دمشق ذاتها، بشكل مستدام، وليس كمجرد تقارب مع الغرب على غرار سياسات النظام السابق التي كانت ترضي الخارج على حساب الشعب.
الموقف الأوروبي:
- واصل الاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الماضي سياسته الحذرة تجاه حكومة أحمد الشرع المؤقتة في دمشق، مركزًا على دعم انتقال سياسي ومكافحة الإرهاب. في مؤتمر بروكسل التاسع، أُصدر بياناً مشترك يؤكد التعاون لاستقرار سوريا، مع تعهد بـ5.8 مليار دولار مشروط بحماية الأقليات وحقوق الإنسان، حسب تقارير. أورسولا فون دير لاين أعلنت عن 2.5 مليار يورو إضافية عبر منصة X، لكن أعمال العنف في الساحل السوري أثارت قلقًا أوروبيًا، مع إدانة شديدة ودعوة لحماية المدنيين.
- برلين برزت كلاعب رئيسي، حيث أعادت فتح سفارتها في دمشق يوم 20 مارس بعد 13 عامًا، في خطوة رمزية لدعم عودة اللاجئين. أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية، زارت دمشق والتقت الشرع وأسعد الشيباني، متعهدة بـ300 مليون يورو مساعدات مشروطة بالحرية والأمن، لكن زيارتها أثارت جدلاً داخليًا، إذ هاجم حزب “اليسار” تعاملها مع حكومة مثيرة للجدل.
- ألمانيا دعت لمحاسبة مرتكبي أعمال العنف وسط تساؤلات عن ثقتها بالشرع بعد إخفاء تفاصيل لقاءاتها. السياسة الأوروبية، بقيادة ألمانيا، تجمع بين الدعم المالي والحذر، مع ضغوط لضمان استقرار سوريا دون الاعتراف الكامل بحكومة مرتبطة بهيئة تحرير الشام.
مواقف الدول العربية:
- تباينت مواقف الدول العربية تجاه الحكومة السورية المؤقتة وسط تصاعد العنف في الساحل السوري. السعودية أدانت الهجمات في 20 مارس/ آذار الجاري، مجددة دعمها للاستقرار ورفع العقوبات بعد لقاء ولي العهد محمد بن سلمان مع أحمد الشرع. قطر، في 19 مارس، عبرت عن قلقها من الاشتباكات، مؤكدة دعمها السياسي والاقتصادي. الإمارات دعت في 21 مارس إلى احتواء التطرف، مع دعم حذر لسيادة سوريا، بينما أكدت الكويت والبحرين في 18 مارس دعمهما لوحدة الأراضي.
- الأردن أدان الهجمات في 22 مارس، مشدداً على التنسيق الأمني، والعراق عبر في 20 مارس عن مخاوفه من الفوضى، مرسلاً وفداً أمنياً إلى دمشق في 23 مارس. لبنان ظل منقسماً، مع انتقادات حزب الله وترحيب أطراف أخرى بالجهود الأمنية. مصر، في 21 مارس، دعت إلى عملية انتقالية شاملة، محذرة من التطرف، بينما أكدت ليبيا في 19 مارس دعمها للاستقرار.
- عموماً، أجمعت الدول العربية على إدانة أحداث الساحل، داعية إلى استقرار سوريا وعملية سياسية شاملة، مع دعم خليجي نسبي وحذر من مصر والعراق
الموقف الروسي/الإيراني:
- اتسمت مواقف روسيا وإيران تجاه الحكومة السورية المؤقتة بالتوتر بعد تصاعد العنف في الساحل السوري. روسيا انتقدت الحكومة بشدة في مجلس الأمن يوم 18 مارس، مقارنة أعمال العنف بـ”الإبادة”، معبرة عن استيائها من فقدان النفوذ عقب هروب الأسد إليها، بالإضافة لتجاهل طلب حكومة دمشق طلبها في تسليم في تسليم بشار الأسد لمحاكمته، أكدت تمسكها بقاعدتي حميميم وطرطوس رغم ضغوط الانسحاب.
- إيران، في 23 مارس، عبرت عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي عن قلقها من الاشتباكات، داعية إلى ضبط النفس وحماية المدنيين، مؤكدة أنها “مراقبة فقط” ولن تتدخل إلا بطلب. عراقجي أشار إلى عدم التسرع في بناء علاقات مع الحكومة المؤقتة، ما يعكس ترقباً بعد خسارة الأسد وتراجع حزب الله.
- روسيا تتبنى نهجاً عدائياً لفظياً مع سعي للحفاظ على مصالحها العسكرية من دون تصعيد مباشر، بينما تختار إيران موقفاً دفاعياً، متجنبة المواجهة وسط توافقات إقليمية. كلا البلدين يواجهان صعوبات في التكيف مع الواقع السوري الجديد.
في ظل الاضطرابات المستمرة، تتجلى تعقيدات المشهد السوري في تنوع المواقف الدولية والإقليمية تجاه الحكومة المؤقتة. إسرائيل وروسيا تتشبثان بمصالحهما الأمنية، بينما تسعى تركيا والدول العربية لدعم الاستقرار مع تحفظات متفاوتة. الولايات المتحدة وأوروبا تربطان الدعم بشروط سياسية وإنسانية صارمة، فيما تتراجع إيران تكتيكيًا. مع تصاعد التحديات في الساحل وأزمة اللاجئين، يبقى الرهان على قدرة الحكومة المؤقتة على تحقيق انتقال شامل يرضي هذا التنوع، وإلا فإن سوريا قد تواجه مزيدًا من الاستقطاب والفوضى في الأشهر المقبلة.