رأي

تقييم العلاقات الخارجية للدولة السورية و تحدّياتها

هشام المسالمة*

بعد مرور ما يقارب الأربعة أشهر من وصول السلطة الجديدة للحكم في سوريا ، عملت جاهدة للانفتاح على محيطها العربي و الإقليمي و الدولي ، في محاولة لكسر العزلة الدبلوماسية التي أوجدها النظام السابق ، بسبب الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري، والعقوبات التي فرضت عليه من المجتمع الدولي .

أجرى أسعد الشيباني، وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة،  زيارات عديدة للدول العربية والأجنبية ، كما شارك في مؤتمر دافوس، و حضر مؤتمر المانحين لدعم الشعب السوري في مقر الاتحاد الأوربي في بروكسل ، في محاولة حثيثة لطلب العون من المجتمع الدولي للحكومة الانتقالية في دمشق، و رفع العقوبات الاقتصادية.

التفاعل مع العالم العربي

حدث تواصل سريع بين وزارة الخارجية الجديدة والدول العربية، الساعية من جهتها لمعرفة توجهات وخطط القيادة السورية الجديدة، وشملت لقاءات وزير الخارجية، والرئيس الانتقالي أحمد الشرع، قيادات عربية بارزة، مثل أمير قطر، وولي العهد السعودي، والملك الأردني، ووزير الخارجية الإمارتي، والرئيس المصري، وبدا واضحاً أن هذه الدول منفتحة من حيث المبدأ، وبشكل أولي، على العلاقة مع السلطة الجديدة في دمشق، ومعظمها يشعر بالارتياح نتيجة خروج إيران من الساحة السورية.

من المعروف أن قطر لديها علاقات مع مسؤولي السلطة الجديدة قبل وصولها في الحكم، وهي من رعاة الحركات الإسلامية في العالم العربي، وبالتالي، فإن القيادة الجديدة تسعى إلى دعم الدوحة للقيادة لمواجهة معضلات أساسية في الواقع السوري، وفي مقدمتها الاقتصاد والطاقة، وقد بادرت قطر إلى مدّ دمشق بالغاز، لزيادة القدرة على توليد الكهرباء، بالإضافة إلى دعم مالي لتسيير إدارات الدولة.

لكن، بما يخص السعودية والإمارات ومصر، فمواقفها من الإسلام السياسي خلال الربيع العربي، تجعل من تعاملها مع القيادة الجديدة يقوم على مبدأ الانفتاح والحذر في الوقت نفسه، ولديهم إلى حدّ كبير تقييماً مشتركاً لما ينبغي أن تكون عليه منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أنهم يرغبون برؤية سوريا تشقّ طريقها للخروج من الاضطراب والفوضى، لكن في سياق حسابات أكثر وأكبر تعقيداً من دمشق، تشمل مستقبل عموم المنطقة.

معضلة بناء تحالفات استراتيجية إقليمية

تواجه الإدارة الجديدة تحدياً كبيراً في بناء علاقة استراتيجية مع تركيا، التي تتوقع تعاوناً سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً من الدولة السورية ، لتحقيق مكاسب داخلية و خارجية، مصل بناء قاعدة عسكرية و جوية في الداخل السوري، وتقديم دمشق تسهيلات كبيرة لإغراق السوق السورية بالمنتجات التركية، بالإضافة إلى الحصول على حصة كبيرة من إعادة إعمار سوريا،  إلا أن ذلك و في حقيقة الأمر بات يصطدم  مع الإرادة العربية و الإقليمية، خصوصاً دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي استمرّت باستهداف ما تبقى من مخزون سوريا العسكري، واحتلال مناطق جديدة في الجولان، والاقتراب من دمشق على مسافة حوالي 22 كم، وصدور تهديدات عديدة من قادرة بارزين، على رأسهم بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء “إسرائيل”.

العراق بدوره يريد بناء علاقات حسن الجوار مع القيادة في دمشق،  تبنى على الالتزام بأمن و سلامة أراضي البلدين وعدم الانخراط  في أعمال عدائية متبادلة،  أما هاجس الدولة الأردنية و حكومتها هو أمني بامتياز، يتجلى في منع دمشق تصدير الجهاديين لها، و تسليم المطلوبين الأردنيين ، ووقف عمليات تهريب المخدرات و السلاح من داخل الأراضي السورية ، وكذلك ملف اللاجئين السوريين، أي أن الأردن حريص على علاقات متينة، لكن الحذر و الترقب بتوجهات و أفعال السلطة الجديدة هو سيد الموقف .

تحديات الديبلوماسية السورية

إن الدبلوماسية السورية في ظل النظام الحالي، تجد نفسها في وضع معقد إلى حدّ كبير،  وأحد أهم التحديات التي تواجهها وجود مطالب خارجية بتوسيع دائرة مشاركة السوريين في الحكم، وضمان عملية انتقال سياسي تؤدي إلى الاستقرار،  وقد أتت أحداث الساحل، التي راح ضحيتها أكثر من ألفي ضحية، على خلفية طائفية، لتزيد من قائمة الشروط، لتشمل ضمان عدم تعرّ الأقليات لجرائم جديدة، وقد كانت مواقف بعض الدول الأوروبية واضحة في إدانتها لأحداث الساحل،  التي زادت من تعقيدات التعامل الأوروبي مع حكومة دمشق.

إن لقاءات المسؤولين الأوروبين مع وزير خارجية السلطة الجديدة، ما زالت لقاءات تقييم لأداء السلطة، خصوصاً مع وجود أصوات قوية داخل أوروبا معترضة على السلطة الجديدة، بناءً على خلفية هذه السلطة الأيديولوجية، حيث شككت العديد من الأحزاب، خصوصاً في فرنسا وألمانيا بقدرة السلطة الجديدة على التكيف مع واقعها الجديد، وتجاوز ماضيها وأيديولوجيتها.  

الموقف الأمريكي الذي يعدّ أكثر المواقف حسماً تجاه فتح الطريق نحو دمشق أو عرقلته، قدّم لائحة طلبات للسلطة الجديدة، مقابل إمكانية رفع جزئي لبعض العقوبات، التي لا تزال تشكّل العائق الأكبر أمام تدفّق أي دعم مالي للسلطة الجديدة، ومن بين الطلبات عدم تعيين أجانب في الجيش السوري الجديد، خصوصاً أنه يضم الآن قادة أجانب في مناصب عليا.

يمكن القول إن الديبلوماسية السورية الجديدة تواجه تحديين أساسيين، الأول يتعلّق بإقناع الدول بأنها قادرة على إجراء تحوّل من عقلية الفصيل إلى عقلية الدولة،  وأنها قادرة على إنتاج توازنات بين الدول ذات المصالح المتضاربة في سوريا، أما التحدي الثاني، وهو مرتبط عضوياً بالأول، يتمثل في تسريع رفع العقوبات، لحدوث حالة انفراج اقتصادي ومعيشي، لتعزيز السلطة شرعيتها الداخلية.

خاتمة:

أوجدت السنوات الماضية واقعاً معقداً في الخارطة السورية الداخلية، وتشابكاتها مع قضايا الإقليم والمجتمع الدولي، حيث توجد مصالح ورؤى متضاربة للقوى الخارجية، ولذلك يبدو أنه من الصعوبة بمكان  في الواقع الراهن، وما يتضمنه من إمكانات، توقع أن تتمكن السلطة الجديدة في دمشق من إحداث توازن مع تلك المصالح المتضاربة، ومع الطلبات المرسلة إلى دمشق، في الوقت الذي انتهت فيه مرحلة التعارف بين الديبلوماسية السورية وبين وزارات الخارجية في الدول الفاعلة بالشأن السوري، وستكشف الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، مدى نجاح أو إخفاق ديبلوماسية دمشق في تفكيك المعضلات التي تواجهها.  

  • هشام المسالمة محام سوري، ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية في الحزب الدستوري السوري.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق