لماذا لن يستمر حكم “الشرع”؟
حسام ميرو
ليس سهلاً أن يسقط نظام سياسي بعد أكثر من ستة عقود، وبعد انتفاضة شعبية سلمية دامت لأشهر قليلة، قبل تحوّل البلاد إلى مسرح صراع داخلي وخارجي، فمثل هذه الأنظمة، تذهب عادة، بعد خراب كبير، كما حدث في وطننا السوري، الذي تنطبق عليه المواصفات الدولية للدولة الفاشلة، حيث يأتي في المرتبة الثامنة في سلم الدول الفاشلة، مثل الصومال، وإفريقيا الوسطى، وتشاد، واليمن، وغيرها من الدول التي عانت من حروب أهلية، ولم تتمكن من الخروج من آثارها بعد انتهاء الحرب.
هل سيدوم حكم أحمد الشرع طويلاً، وهل سيتمكن من إدارة البلاد، وهل سيستطيع التعامل مع كل الأزمات المركبة والمعقدة الموجودة في الدولة والمؤسسات والمجتمع، وأيضاً مع النفوذ الخارجي ومصالح عدد من الدول؟
هذه أسئلة في صلب هذه المرحلة، وللإجابة عليها، سأقدم هنا أكثر الأسباب أهمية التي تؤشر إلى عدم إمكانية الشرع الاستمرار في الحكم:
1- نظراً إلى تاريخ سوريا، فإن خروج الانتداب الفرنسي في عام 1946، شهدت سوريا بين عامي 1946 ولغاية 1958 (الوحدة مع مصر) انقلابات عديدة، وحكم سوريا 10 رؤساء، بعضهم لبضعة أشهر فقط، فخروج الانتداب، ولّد حالة فراغ سياسي وعسكري، جعلت من الصعب بمكان استقرار السلطة، وكان المخرج لهذا المأزق الوحدة مع مصر.
سوريا اليوم في وضع أسوأ بكثير من خمسينيات القرن الماضي، فالكارثة السورية طالت كل شيء تقريباً، وبعد سقوط النظام، هناك فوضى فصائل وسلاح، ستقف عقبة أكيدة في وجه بناء جيش وطني.
2- وصول “هيئة تحرير الشام” إلى الحكم لم يكن في صلب الاتفاق بين القوى الإقليمية والدولية، وليس خافياً على المطلعين أن دولاً عدة تشعر بأن تركيا نكثت بوعدها، خصوصاً روسيا وإسرائيل.
3- مع خروج إيران من المشهد السوري، ظهرت بسرعة مؤشرات الصراع التركي الإسرائيلي على النفوذ في سوريا، ولم تتوان إسرائيل عن ضرب مطار التيفور، حيث كانت تركيا قد أدخلت إليه معدات لوجستية، وهي لا تخفي رغبتها ببناء قواعد جوية، تدرك إسرائيل أنه في حال تمكّنت تركيا من ذلك، فإن أمنها القومي سيكون مهدداً من قبل أنقرة، ولا ترغب إسرائيل استبدال تركيا بإيران.
4- تعيش تركيا أزمة سياسية كبيرة بعد اعتقال السياسي والمعارض البارز، ورئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ويطالب حزبه اليوم (حزب الشعب الجمهوري) بإجراء انتخابات مبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري، ما يعني انشغالاً تركياً بالأزمة الداخلية، كما أنه في حال جرت الانتخابات وأتت المعارضة إلى الحكم، فإن حساباتها ستكون مختلفة تجاه مجمل الوضع السوري.
5- لن يتمكن أحمد الشرع من بناء جيش وطني، لسببين أساسيين، الأول بنيوي، له علاقة بطبيعة الفصائل الموجودة، ووجود عدد كبير من المقاتلين الأجانب، ومطالبة واشنطن للشرع بإخراجهم من سوريا، والسبب الثاني مرتبط بغياب التمويل الضروري لبناء جيش وطني متماسك بحدود معقولة، فالتقديرات تشير إلى أن تكلفة بناء جيش بهذه المواصفات تبلغ 10 مليارات دولار على أقل تقدير.
6- عوّل الشرع على إمكانية مشاركة رجال الأعمال السوريين في ضخ المال في مشاريع حيوية، لكن رجال الأعمال الذين زاروه وتواصل معهم، غير مستعدين في المرحلة الحالية للإقدام على مغامرة اقتصادية/ مالية، فما زالت البنية الأمنية هشة في عموم البلاد، ولا تتوافر مقومات العمل الاقتصادي، على مستوى القوانين والتشريعات، أو على مستوى حوامل الطاقة، أو الثقة برفع العقوبات، أو التعامل مع سلطة لا تزال تندور حولها الشكوك.
7- قدّمت لأحمد الشرع نصائح عديدة من الدول حول المرحلة الانتقالية، لكنه وضعها جانباً، واختار النصيحة التركية-القطرية، وقام باختزال مقدّمات هذه المرحلة، عبر مؤتمر حوار هزيل لا يرقى إلى الضرورات الوطنية، وإعلان دستوري وضع من خلاله يده على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية.
8- أضاف الشرع إلى سجله جريمة جديدة، هي جريمة الساحل، وكانت العديد من الدول مستعدة للتعامل مع سجله خطوة بخطوة لتطوير الثقة، لكن ما حدث في الساحل من جرائم موصوفة كجرائم ضد الإنسانية، من شأنه أن يعرقل مسار الثقة، كما أن الرسالة التي وصلت من الساحل إلى عدد من المكونات والقوى السياسية كانت واضحة، ومفادها أن تمكن أحمد الشرع من السلطة قد يكون مقدمة لمجازر أوسع.
9- من عادة المراحل الانتقالية، أن تكون مبنية على التنوع، لضمان شرعية السلطة، وقد كانت هناك فرصة كي يظهر أحمد الشرع براغماتية مطلوبة، بوصفه طامحاً للبقاء طويلاً في السلطة، لكنه لم يفعل، فقد تبنى خيار جماعته على حساب التنوع والبراغماتية.
10- لا يمكن للاقتصاد السوري أن ينتعش من دون جذب استثمارات خارجية، لكن الشركات الإقليمية والأجنبية الكبرى، لن تغامر بالاستثمار في ضوء الأوضاع الحالية، نظراً لغياب كل المقومات الجاذبة للاستثمار.
11- دخلت البضائع التركية منذ الأيام الأولى لاستلام أحمد الشرع السلطة إلى الأسواق السورية، وهو ما أزعج الصناعيين السوريين، أو من تبقى منهم بعذ هذه السنوات، كما أزعج أصحاب الورش المتوسطة، حيث لا يمكن للبضائع السورية أن تنافس المنتجات التركية.
كل هذه الأسباب تجعل من الصعوبة بمكان استمرار أحمد الشرع في سدة الحكم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما السيناريوهات التي ستذهب إليها البلاد مع سقوط حكم أحمد الشرع؟