التقرير السياسي

التقرير السياسي لشهر أبريل/ نيسان 2025

قبل أن يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراراته الجمركية، التي أقرّت رسوماً مرتفعة على الواردات لبلاده، شهدت الأسواق العالمية خسائر كبيرة، قُدرت بحوالي 6 تريليونات دولار، لكن الصين كانت البلد الوحيد الذي أبقى الرئيس الأمريكي الرسوم الجمركية على الواردات منه، لتصل بمجملها إلى 145%، معلناً بذلك أكبر حرب تجارية بين واشنطن وبكين.
في الوقت نفسه، يضاعف ترامب ضغوطه لأجل وقف نهائي للحرب بين روسيا وأكرانيا، في محاولة منه إلى تحييد روسيا عن الصين، لكن سعي ترامب، يزيد من التحدّيات المفروضة على أوروبا، خصوصاً لجهة دفعها نحو تحمّل التزامات أكبر بخصوص إنفاقها الدفاعي.
هذه المناخ الدولي المضطرب، والذي تزداد فيه التحديات الاقتصادية، وتكافح فيه مجمل الاقتصادات الكبرى لتجنّب حالات ركود، يقابله مناخ مضطرب في الشرق الأوسط، مفتوح على احتمالات غير واضحة المعالم، خصوصاً بالنسبة لتركيا وإيران.
في تركيا، يحاول الرئيس رجب طيب أردوغان تجنّب انتخابات مبكرة تدعو لها المعارضة، بعد اعتقال أكرم إمام أوغلو، القيادي في حزب الشعب الجمهوري المعارض، ورئيس بلدية اسطنبول، والمنافس الأبرز للرئيس أردوغان على رئاسة تركيا، وما تلا ذلك من مظاهرات كبيرة، شارك فيها طلاب الجامعات على نطاق واسع، ودخول العلاقة بين أردوغان وحليفه القوي دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، في حالة فتور.
الاقتصاد التركي الذي يعاني منذ سنوات، عرف تراجعاً في مجمل مؤشراته، ما دفع بالعملة التركية للهبوط، في الوقت الذي تبدو فيه خيارات البنك المركزي محدودة للغاية في مواجهة تراجع قيمة العملة، بعد أن تدخّل لمرات عديدة في السنوات السابقة للحدّ من خسائرها، وفي المرحلة الأخيرة، كلّف تدخّل البنك لدعم العملة أكثر من 50 مليار دولار.
أما إيران التي مُنيت بخسائر كبيرة في ملفّات أساسية كانت تشكّل مفاتيح نفوذها في المنطقة، وخسرت حلفائها في غزة ولبنان وسوريا، فهي تدخل اليوم في مفاوضات مع واشنطن حول ملفّها النووي، في الوقت الذي حشدت فيه الولايات المتحدة قواتها في الشرق الأوسط، لدفع طهران إلى تقديم تنازلات (التفاوض تحت النار) في مفاوضاتها التي بدأت مع واشنطن في العاصمة مسقط في سلطنة عمان.
إسرائيل حقّقت إنجازات استراتيجية كبيرة، بعد القضاء على القسم الأكبر من قدرات “حماس”، واغتيال عدد كبير من أرفع قياديها الساسيين والعسكريين، ووضع مصير سكان غزة المنكوبين أمام مصير مجهول، والقضاء على معظم القادة الكبار ل”حزب الله” في لبنان، وفرض شروط قاسية عليه وعلى لبنان، وإنهاء طريق الإمداد العسكري بعد سقوط النظام السوري.
لكن، على الرغم مما حققته تل أبيب، إلا أنها، وبحسب تصريحات كبار القادة السياسيين والعسكريين ومراكز الأبحاث، ليست مطمئنة حيال تنامي الدور التركي في سوريا، وقد سارعت مؤخراً لضرب مطار التيفور في حم، الذي كانت تركيا تنوي تحديثه وإنشاء قاعدة جوية فيه، تتضمن أنظمة رادار متطورة، وأنظمة دفاع جوي، كما تابعت ضرب مواقع عديدة في سوريا، طالت بنى عسكرية قابلة لإعادة التأهيل سريعاً، وما تبقى من مقدرات عسكرية.
في سوريا:
1- على صعيد السلطة الانتقالية: تعطي السلطة أولوية كبيرة لتحسين صورتها الخارجية، ومحاولة إقناع الدول وصنّاع القرار بأنها قادرة على تأمين الاستقرار في سوريا، وتفهّم مصالح الفاعلين الأساسيين، لكن هذا السعي لا يزال يصطدم بموقف أمريكي واضح تجاه عدم الاعتراف بالحكومة الحالية، وتقديم واشنطن للسلطة الانتقالية قائمة طلبات، في مقدمتها طرد المقاتلين الأجانب من صفوف الجيش، وليس فقط القادة الكبار، وهو أمر غير ممكن من الناحية العملية بالنسبة للسلطة، التي تعدّ هؤلاء المقاتلين جزءاً من قوتها، خصوصاً في وجود حالة تعدّد فصائلي في الجيش.
2- على مستوى المؤسسات والخدمات: لم تتمكن السلطة الحالية من إعادة تشغيل الكثير من المؤسسات الحيوية، مثل المصالح العقارية، والنفوس، وتسجيل ملكية المركبات، مع ضعف عودة القضاء، كما زاد تراجع الخدمات العامّة أكثر مما كان سابقاً، خصوصاً الكهرباء والماء، والبلديات.
3- اقتصادياً: حتى اللحظة، هناك إحجام من قبل المستثمرين السوريين في الخارج عن الاستثمار في بلدهم، أو الشركات الإقليمية والدولية، نظراً لوجود العقوبات الأمريكية، وضعف الأمن بشكل عام، وعدم وجود مؤسسات فاعلة، وغياب الأرضية التشريعية والقانونية الضرورية، كما أن المضاربة المالية التي قامت بها السلطة خلال شهري يناير وفبراير وصلت إلى حدّها الأعلى، وهو ما تجلى بفقدان السيولة من جهة، وتراجع قيمة العملة (الليرة) من جهة ثانية.
4- معيشياً: قبل سقوط النظام، كانت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خطّ الفقر قد بلغت 90%، والآن تفاقمت الأوضاع، بسبب جمود حركة الأسواق، وتسريح حوال نصف مليون موظف من العاملين في القطاع العام، وتبدو مظاهر الفقر أكثر حدّة في الشهرين الأخيرين في مدن وقرى الساحل، التي تعرّضت لجرائم ارتكبتها فصائل موالية للسلطة بحقّ المدنيين، وأحرقت الكثير من الأراضي، ومارست السلب، والخطف، حيث توقّفت مجمل الأعمال، وحدثت حالة شبه شلل في الحياة العامة، بالإضافة إلى عرقلة السلطة وصول المساعدات إلى السكان.
5- أمنياً: مع انعدام المؤهلات والخبرات المطلوبة لإدارة الأمن في السلطة الجديدة، هناك حالة ارتباك كبيرة في ضبط الأمن العام، وتظهر هذه الحالة بحدّة من خلا ازدياد حالات السرقة والسلب والقتل لدوافع ثأرية.
6- الانقسام المجتمعي: بعد جرائم الساحل، وما رافقها من حالة تجييش طائفي، وإعلان النفير العام للجهاد، ظهرت حالة الانقسام المجتمعي بشكل أكبر من ذي قبل، لكن هذه المرّة، لم تكن على أساس موالاة/ معارضة، بل على أساس طائفي، وظهرت طروحات عديدة، تطالب بالحماية الدولية لمناطق الساحل.
نحن في الحزب الدستوري السوري، نعتقد أن الموقف الأمريكي الحالي لن يتغيّر في المدى القريب من السلطة الجديدة، وهو ما سيزيد التحدّيات الداخلية على السلطة الجديدة، في ضوء عدم وجود تدفقات مالية على هيئة منح مباشرة للحكومة، أو على شكل استثمارات، الأمر الذي سيزيد من المعاناة الاقتصادية والمعيشية، ويفاقم المشكلات المجتمعية والأمنية، كما أن الصراع التركي الإسرائيلي على سوريا، سيقلّل من فرص استقلال القرار لدى السلطة، وهي في سعيها للتجاوب مع مطالب فاعلين متناقضي المصالح لن يكون بإمكانها التوفيق بين تلك التناقضات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق