التقرير السياسي

التقرير السياسي لشهر مايو/ أيار 2025

الوضع الدولي:

بعد مرور أقل من أربعة أشهر من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومحاولته لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كان قد صرح أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية بأنه قادر على وقف هذه الحرب في حال فوزه في الانتخابات، فإن الحرب لا تزال مشتعلة، وسط حالة عدم يقين سياسي بقرب انتهاء الحرب، وعلى الرغم من توقيع الرئيس ترامب اتفاقية “المعادن الثمينة” مع فلوديمير زيلينسكي، وحدوث مفاوضات أمريكية روسية في جدة بالسعودية للوصول إلى هدنة لمدة 30 يوماً، إلا أن هذه الهدنة لم توافق عليها موسكو.

سعي الرئيس دونالد ترامب لإيقاف الحرب، بالتعويل على علاقة جيدة مع الرئيس بوتين، ومحاولة تحييد موسكو عن بكين، يبدو أنه غير فعّال، فالعلاقات الروسية الصينية قطعت أشواطاً مهمة: روسيا تزود الصين بأكثر من مليوني برميل نفط يومياً، أي حوالي 17% من احتياجاتها اليومية للنفط، وفي الوقت ذاته، دعمت الصين روسيا بما تحتاجه من تقنيات خلال أعوام الحرب الثلاثة الماضية.

وسط كل ذلك، تحاول تركيا لعب دور الوسيط السياسي من جديد، حيث توجد دعوة لعودة مفاوضات اسطنبول بين الجانبين الروسي والأوكراني، ولإعادة الدفء ما أمكن للعلاقات مع روسيا، بعد الفتور الذي أصابها بعد دعم تركيا للوصول “هيئة تحرير الشام” إلى الحكم في دمشق.

في الجانب الأسيوي الحيوي، حيث يوجد ثقل ديمغرافي مهم، اشتعلت المواجهات بين الهند وباكستان، في أكبر مواجهة بين الطرفين منذ عام 1999، وعلى الرغم من التهدئة اللاحقة، فقد اعتبرت هذه الجولة بمنزلة اختبار للقدرات الصينية العسكرية التي استخدمتها باكستان ضد الطائرات المقاتلة الهندية (طائرات رافال الفرنسة)، حيث تمكنت الصواريخ الصينية من تدمير عدد من الطائرات.

كانت السنوات الماضية، قد شهدت تراجعاً في العلاقات الأمريكية الباكسانية، مقابل نمو للعلاقات الأمريكية مع الهند، والصينية مع باكستان، ما يجعل من هذه المواجهات كمؤشر استفزاز باكستاني، مدعوم صينياً، ضد الهند المدعومة أمريكياً. 

الوضع الإقليمي:

في تركيا، لا تزال قضية اعتقال أكرم إمام أوغلو تتفاعل، مع إصرار حزبه “الشعب الجمهوري” إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام، حيث من المتوقّع أن يدعو إلى استقالة عدد من النواب، ليحدث حالة شغور في البرلمان، تستدعي وجود انتخابات برلمانية فرعية، لإحراج الرئيس رجب طيب أردوغان، خصوصاً مع تراجع قاعدته الشعبية.

في الوقت ذاته، أعلن حزب “العمال الكردستاني” حلّ نفسه بعد 40 عاماً من تأسيسه، وإلقاء السلاح، ووقف أنشطته، مقابل إجراء تحولات دستورية لمصلحة المكون الكردي في تركيا، وهو ما يعد مكسباً سياسياً للرئيس أردوغان، في ضوء أزمته الحالية مع المعارضة.

 في السعودية، ستجري القمة الأمريكية الخليجية، في أول زيارة خارجية يجريها الرئيس ترامب، وفي جدول الأعمال: الدفاع والأمن، الاسثمارات في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجدّدة، وملفات الإقليم، خصوصاً التطورات في مسار المفاوضات الأمريكية مع إيران، حول ملفها النووي، حيث جرت أربع جولات في مسقط في سلطنة عمان، كانت تصريحات الطرفين حولها إيجابية. 

أما القمة العربية في بغداد، والتي سينوب فيها عن الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، وزير الخارجية أسعد الشيباني، فهي تأتي في أوضاع مضطربة لعدد من دول المنطقة، ووسط استمرار فشل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وتظهر بغداد المستفيد الأكبر منها، لتأكيد وجودها العربي، الذي أصبح ضعيفاً منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003.

الوضع السوري:

زيارة الرئيس لاالانتقالي أحمد الشرع، أتت في سياقين، الأول فرنسي، لتأكيد باريس دورها من جديد في المشرق العربي، ونيابة عن الأوروبيين في محاولة استجلاء وضع السلطة الجديدة، والثاني سوري، إذ يحاول الشرع تقديم صورة مغايرة عن تاريخه وتاريخ فصيله “هيئة تحرير الشام”، بوصفهم اليوم سلطة، وليسوا فصيلاً إرهابياً.

تناولت الزيارة قضايا رفع العقوبات عن سوريا، ودمج الأكراد في الإدارة السورية، والمقاتلين الأجانب، والعلاقة مع إسرائيل، وجرائم الساحل، وأحداثجرمانا وصحنايا.

كما عقدت القوى الكردية مؤتمراً، حضرته أحزاب الوحدة الوطنية وأحزاب المجلس الوطني الكردي، برعاية أمريكية وفرنسية، وإشراف مسعود البرزاني الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، وصدرت عنه ورقة مشتركة، تؤكد على ضرورة اعتراف الدستور السوري بالشعب الكردي في سوريا، وتمثيل الأكراد في الحكومة، ونظام حكم يقرّ بالتعددية واللامركزية.

 وفي السويداء، وعلى الرغم من توقيع اتفاق مشترك بين الحكومة السورية وقيادات من السويداء، إلا أن حالة الاستنفار  لدى أهل السويداء والفصائل ما تزال موجودة، خصوصاً مع القرى الحدودية، ودرعا، والبادية، بالإضافة إلى أن المظاهرات التي شهدتها بعض المدن ضد “الدروز”، وإجلاء طلاب السويداء من المدينة الجامعية، في دمشق، وأحداث صحنايا وجرمانا، أوجدت حالة توتر في المجتمع الأهلي في السويداء. وفي الجانب المعيشي لم يستلم الموظفون الحكوميون رواتبهم، وأصبح تأخير استلامها أمراً روتينياً في كل شهر منذ وصول السلطة الجديدة، في الوقت الذي يعاني فيه فلاحو السويداء من موسم زراعي سيء بسبب نقص الهطولات المطرية.

في الساحل السوري، يستمر التوتر الأمني سيد الموقف، خصوصاً مع تراجع حركة النقل بين القرى والمدن، بسبب مخاوف السكان من احتمالات قتل أو خطف يمكن أن يرتكبها هذا الفصيل أو ذاك، خصوصاً مع وجود حالات استفزاز طائفي بين الحين والآخر، كما توقفت حركة العمل بشكل شبه كلّي في المناطق الصناعية، وحالة الكساد في المبيعات نتيجة غياب السيولة، وانعدام القدرة الشرائية للسكان، وعدم وجود أية بوادر لموسم سياحي في الصيف، إذ يعتمد عدد لا بأس به من أهالي الساحل على موسم الاصطياف، ومعظم هذه الأوضاع تجعل من حالة المجاعة توصيفاً مطابقاً لواقع الحال.

 رأي الحزب:

نعتقد بأن محاولات شرعنة السلطة الجديدة خارجياً، والمستمرة منذ وصولها إلى الحكم، وتحديداً من خلال دور قطري كبير، يمنح هذه السلطة بعض الأوكسجين الضروري لها، خصوصاً مع دفع قطر رواتب الموظفين الحكوميين لمدة ثلاثة أشهر، لكن، مع ذلك، فإن اللوحة الدولية والإقليمية، تظهر أزمات أكثر حدّة، ولا يبدو أن تأمين استقرار سريع موجود في رأس قائمة الدول الفاعلة، حيث لا يزال الحديث عن أي تمويلات كبيرة معدوماً، وتعيش السلطة الجديدة وحكومتها بما يعرف بالتغذية بالقطرات.

ما زالت الكثير من المؤسسات الحكومية خارج الخدمة، وتسهم في تعطيل حركة الاقتصاد الداخلي اليومي، وإحداث حالة إرباك للمواطنين، الأمر الذي يعكس نقص الكفاءة في إدارة الحكومة، ونقص الموارد، وعدم وجود قائمة بالأولويات لإنعاش الحركة الداخلية.

المحافظات السورية، تتقاسم اليوم الهموم المعيشية والاقتصادية، لكنها تظهر بشكل أكبر في مناطق الساحل والسويداء، حيث يستمر التوتّر الأمني والطائفي، وحيث يهدد هذه المناطق شبه المجاعة خلال وقت قصير.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق