دخل “قانون قيصر” الأمريكي حيّز التنفيذ في السادس عشر من يونيو/ حزيران الجاري، وقد أتى هذا القانون على خلفية ما عرف باسم “صور قيصر” التي ضمّت 55 ألف صورة لمعتقلين سوريين قضوا في سجون النظام، ويتضمن القانون حزمة واسعة من العقوبات على النظام السوري، طالت مؤسسات وقطاعات وشخصيات سورية، و شخصيات وكيانات وشركات أجنبية مساندة للنظام السوري، ويأتي تطبيقه في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية خانقة يعيشها السوريون، بعد تدهور كبير في القوة الشرائية لليرة السورية، بعد أكثر من تسع سنوات، دُمرت خلالها قطاعات إنتاجية كثيرة، وتمّ تقطيع أوصال البلاد بين أكثر من سلطة أمر واقع.
منذ بدء الثورة السورية، وقبل تحولها إلى صراع مسلح، رفض النظام السوري تقديم أي تنازلات سياسية، كان من شأنها تجنيب سوريا والسوريين المآلات الكارثية التي وصل إليها حال الوطن والمواطن، ومنع تحول سوريا إلى دولة احتلالات عديدة، وحدوث انقسامات مجتمعية بالغة الحدّة بين مكونات الوطن السوري الإثنية والطائفية والمناطقية، لن يكون ردم الهوة بينها أمراً سهلاً أو قريباً، واستمر النظام على مواقفه الرافضة لأي حلول سياسية، وحوّل جولات التفاوض في جنيف إلى ساحة لإضاعة الوقت، لقناعته بأنه قادر على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بينما كانت سوريا تمضي بسرعة كبيرة لتكون دولة فاشلة بكل المعايير.
دخول “قانون قيصر” حيّز النفيذ، يأتي في الوقت الذي شارفت فيه العمليات العسكرية الكبرى على الانتهاء، مع وجود نوع من التقسيم الفعلي للأرض السورية بين القوى النافذة في سوريا (روسيا، إيران، الولايات المتحدة، تركيا)، وبعد أن كان النظام السوري قد أعلن انتصاره “على الإرهاب”، وهو العنوان الذي خاض تحته حرباً واسعة ضد إرادة التغيير في سوريا، مستفيداً من تحويل وتحول سوريا إلى بؤرة لاستقطاب إرهابيين إسلاميين من كل أنحاء العالم.
لقد كان حزبنا منذ بدايات تأسيسه في يوليو/ تموز 2017 مع وجود حل سياسي، يخرج السوريين من دائرة الصراع العسكري، ويفسح في المجال أمام مرحلة انتقالية، تستند إلى القرار الأممي 2254، يكون بالإمكان معها إعادة بناء الوطن السوري من جديد، بعيداً عن الاستبداد والإرهاب، في الوقت الذي استمرت فيه الأطراف المنخرطة في الصراع المسلح، من نظام وفصائل مسلحة، على وهمها بإمكانية الحسم العسكري للصراع، بغض النظر عن التكلفة الوطنية والإنسانية.
نحن في “حدْس”، نعتقد بأن “قانون قيصر” الحافل بالعقوبات الاقتصادية والمالية القاسية، سيكون له مفاعيل عديدة، لما يتضمنه من بنود وآليات تنفيذية، من شأنها أن تضع النظام السوري أمام تحديات اقتصادية ومالية جديدة، في الوقت الذي يعاني فيه أصلاً من تلك التحديات، حيث يخنق القانون المؤسسات المالية للنظام، كما يعرقل إبرام أو تنفيذ عقود ضرورية لديمومة الإنتاج في القطاعين العام والخاص، ويجعل من تعامل الشركات الأجنبية مع الشركات السورية أمراً بالغ الصعوبة، نظراً للمخاوف الكبرى من ملاحقتها قانونياً، ووقف أنشطتها.
يطال القانون أيضاً الشركات الروسية والإيرانية التي تقوم بتأمين الدعم للقطاعات العسكرية والإنتاجية في سوريا، كما يحاصر الكثير من الشركاء اللبنانيين الداعمين للنظام السوري، ويجعل من تفكير روسيا في مرحلة إعادة الإعمار أمراً مستحيلاً، كما يجعل بعض القوى الإقليمية تعيد حساباتها بهذا الشأن، بالإضافة إلى أن الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية نفسها تمرّ بحالة من عدم اليقين، بعد الآثار الكارثية لجائحة فيروس كورونا على دورة الاقتصاد العالمي.
إن تجربة العقوبات الاقتصادية التي مارستها الولايات المتحدة والغرب على عدد من الدول سابقاً تشير إلى أن تلك العقوبات، ومهما بلغت حدّتها، لا تسقط الأنظمة السياسية، بل تزيد من معاناة الشعوب، خصوصاً الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً، ومع ذلك، فإن لكل تجربة خصوصية مختلفة عن الأخرى، وهذا لا يعني أننا في “حدس” نتوقع أن يؤدي “قانون قيصر” إلى إسقاط النظام السوري، لكننا نعتقد أن هذا القانون من شأنه أن يدفع روسيا، على وجه الخصوص، إلى إعادة التفكير في تحريك عجلة الحل السياسي، لكونها تهيمن على “مناطق حكم النظام”، وهي المناطق التي تشملها عقوبات “قانون قيصر”.
نحن في (حدْس)، نقف مع أهلنا في معاناتهم المستمرة، والتي ستزداد حدة مع مفاعيل “قانون قيصر”، ونؤكد بأن الحل السياسي وحده، كان ولا يزال، هو الحل الوحيد لبدء رفع المعاناة عن السوريين، ووضع الوطن السوري على سكة التعافي، وهو ما يتطلب من القوى السياسية الوطنية والديمقراطية والعلمانية بذل كل الجهود الممكنة، من أجل الدفع بعجلة الحل السياسي، وجعله ممكناً.