رأي

تعالوا نجدّد البيعة للسيد الرئيس!

اقرأ في هذا المقال
  • على الرغم من الرفض المعلن لشخصيات أو كيانات سياسية معارضة بارزة لانتخابات رئاسية مقبلة، إلا أن الكثير من هذه الشخصيات والكيانات في واقع الأمر ليست رافضة للفكرة، بدليل مشاركتها في اللجنة الدستورية، التي لا تعني شيئاً حتى اللحظة سوى إعادة إنتاج النظام العدمي نفسه

بقلم : حسام ميرو

 

في الطريق نحو العدمية يجد المرء الكثير من المقولات الصائبة، بل أن بعضها يرقى لأن يكون خلاصات تاريخية أو شذرات فلسفية، لكنها في المحصلة، وفي طريقة صياغتها، وفي سياق استخدامها، ليست إلا تعبيراً عن نمط تفكير بائس ويائس في الوقت نفسه، إذ سرعان ما يكتشف المرء أن تلك المقولات الصائبة هي الطريق المعبد نحو اللاشيء، وهذا اللاشيء هو باختصار وتكثيف شديدين التوقّف عن عمل أي شيء مفيد، أو عدم المحاولة، لمصلحة طرف واضح المعالم، هو الطرف المنتج للعدم، أي السلطة السياسية الأمنية العسكرية المتخلفة وغير الوطنية، التي أدارت ولا تزال أكبر مصنع لإنتاج العدم.

حتى الاعتراف بالهزيمة لا ينبغي له أن يكون اعترافاً عدمياً، لا يصح هذا لا في المعرفة، ولا في السياسة، ولا في أي مسار من مسارات الحياة الإنسانية الجامعة، فكيف الحال إذاً في الشأن الوطني، فهل يحق لمن يعمل في الشأن الوطني العام أن يعتبر الهزيمة مقدمة للاستسلام العدمي التافه، أم واجباً معرفياً وسياسياً من أجل إعادة قراءة التجربة، والعمل على تغيير أشكال العمل وأشخاصه وأدواته؟

نعم الاعتراف بالهزيمة واجب معرفي وسياسي وأخلاقي ووطني، لكن كل الهزائم لها أسبابها الموضوعية والذاتية، والاعتراف بها لا ينبغي أن يكون جلداً للذات، ولا حطّاً من قيمتها، ومعظم التجارب الكبرى في التاريخ عرفت هزائم وانتكاسات، وليس الأمر حكراً على شعوب بعينها، بل أن دولاً كبرى كانت منخرطة في العقلانية والحداثة أصيبت بانتكاسات كبرى، لمصلحة صعود قوى عمياء عدمية، كما في ألمانيا وإيطاليا، مع النازية والفاشية، ومع معرفتنا بأن مقارنة التجارب ببعضها البعض ينبغي أن يخضع لشروط ومعايير، لكن من حيث المبدأ فإن الهزيمة في أحد ثوابتها تعبير عن اختلال في موازين القوى بين طرفين أو أطراف.

انهزمت قوى التغيير في سوريا، هذا صحيح، ومنذ عام 2012، بدا أن الثورة أصبحت شيئاً آخر، وهذا صحيح، ولسنا بحاجة اليوم لإعادة برهنة تسلّق الإسلاميين على الثورة، أو مساهمتهم الأساسية في تحويلها، أو انزلاق شخصيات تاريخية إلى الفساد والإفساد، أو المستوى السطحي والمتأخر لفكر وسلوك المعارضات الرسمية، وذاك السعي المحموم الذي تقوده عقد نقص مركبة لتبوأ مناصب قيادية، أو الخفة في التعاطي مع القوى الإقليمية والدولية، أو التوفيقية والتلفيقية في قضايا عامة لا تقبل التوفيق أو التلفيق، فكل هذه الأمور أصبحت اليوم، أو يفترض أنها أصبحت، بداهة غير قابلة للنقض.

 على الرغم من الرفض المعلن لشخصيات أو كيانات سياسية معارضة بارزة لانتخابات رئاسية مقبلة، إلا أن الكثير من هذه الشخصيات والكيانات في واقع الأمر ليست رافضة للفكرة، بدليل مشاركتها في اللجنة الدستورية، التي لا تعني شيئاً حتى اللحظة سوى إعادة إنتاج النظام العدمي نفسه، مع الأمل بالحصول على مكاسب وغنائم حزبية وشخصية، وليذهب الشعب السوري وقضيته إلى جهنم الحمراء، فهذا الشعب متأسلم، وعنيف، وجاهل، وغير ديمقراطي، كما أن المعادلات الإقليمية والدولية لا تسمح بأكثر مما هو مطروح، وعلينا أن نقبل بعقد صفقة ما، وألا نضيع الفرصة.

الخلاصة التي يدعوننا إليها هؤلاء هي: تعالوا نجدد البيعة للسيد الرئيس ديمقراطياً.

بعض من أصدقائي موجودون في اللجنة الدستورية، وبعض أعضاء هذه اللجنة محسوبون على التيار الديمقراطي العلماني، وأقول لهم أن وجودكم في هذه اللجنة هو ممارسة لأحط أشكال العدمية السياسية والوطنية والأخلاقية، وأنكم تسهمون في إعادة إنتاج نظام العدم التافه، وفي هذا فإنكم لستم أقل تفاهة فكرية وإنسانية من هذا النظام، وأن قبولكم بانتخابات رئاسية بهذه الشاكلة هو خروج نهائي عن الخط الوطني الديمقراطي العلماني، وقبل كل شيء هو تفريط بحق السوريين في كتابة تاريخ جديد، يستحقون أن ينالوا فرصتهم في إنتاجه، وإنتاج حياة مملوءة بالمعنى، وليس بالعدم.

ولهذا أقول: أيها العدميون تستحقون رئيساً لكم بمرتبة مدير إنتاج لمصنع العدم السوري، وتستحقون أن تكونوا فيه بمرتبة عبيد، فمرتبة العمال هي مرتبة مشرفة، أما العامل الحقيقي فهو الذي ينتج المعنى، والذي يستحق وسام الشرف حين يقبل أن يكون عاطلاً عن العمل كي لا يشارك في إنتاج التفاهة.

اذهبوا وجددوا البيعة لرئيسكم، أما من اختار سورية دولة مواطنة متساوية فما عليه إلا أن يستمر بالعمل، معترفاً بكل الهزائم، لكنه ليس بائساً ولا يائساً. ورافضاً لكل الصفقات المشبوهة التافهة والصغيرة في مبناها ومعناها.                                      

يتبع..

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق