التقرير السياسي: سيناريوهات عديدة في مصلحة تعويم النظام

الحزب الدستوري السوري (حدْس)
التقرير السياسي (16/1/2021)
تدخل المسألة الوطنية السورية عامها العاشر محملة بأسئلة إضافية حول طبيعة الحل السياسي، وذلك مع اقتراب مواعد الانتخابات الرئاسية في نهاية مايو/ أيار أو أوائل يونيو/ حزيران من العام الجاري، ومع حدوث متغيّرات إقليمية ودولية ذات دلالة، وفي ظل استمرار مفاعيل جائحة كورونا، وما فرضته من أزمات على مجمل الاقتصادات في العالم، وقد استمرت خلال العام الماضي مأساة السوريين في مجمل تفاصيلها، مع ازدياد كبير على جبهة الحياة المعيشية، وذلك بعد إصدار قانون قيصر، الذي ترك ظلاله بشكل مباشر على قيمة العملة الوطنية في كل من سوريا ولبنان، وبالتالي تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وكانت أزمتا الوقود والخبز من أبرز الأزمات التي عانى منها السوريون خلال النصف الثاني من العام الماضي.
وكان لافتاً إصرار روسيا، ومعها النظام السوري، على عقد مؤتمر لعودة اللاجئين السوريين، وقد عقد المؤتمر في دمشق في 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويبدو أن السؤال الرئيس الذي يطرح نفسه هو ذلك الإصرار على عقد مؤتمر لا تتوافر له أدنى مقومات النجاح، لا من حيث عدد الدول التي وافقت على الحضور، أو وزنها السياسي، ولا من حيث التوقيت، حيث يوجد إغلاق عام في مختلف دول العالم بسبب جائحة كورونا، بالإضافة إلى الرفض الأوروبي المعلن لعقد هكذا مؤتمر قبل أن تتوضح معالم الحل السياسي.
يرى حزبنا أن الإصرار الروسي على عقد المؤتمر هو ضرورة روسية بالدرجة الأولى، حيث ترغب موسكو بتأكيد مرجعيتها في ملفي اللاجئين وإعادة الإعمار، فهي في الواقع ليست معنية بالملف الأول الذي يخص اللاجئين السوريين، وإنما بملف إعادة الإعمار، والذي بدأت العمل عليه منذ عامين، وذلك عبر التشاور مع أطراف عربية وإقليمية ودولية، ومن بينها أطراف في المعارضة السورية، وكان متوقعاً أن تعقد في نهاية عام 2019 ورشات عمل في روسيا لدراسة ملف إعادة الإعمار، لكن تلك الورشات تأجلت، بسبب غياب أطراف اقتصادية وازنة لحضور الورشات، وعدم وجود مناخ إقليمي داعم.
مخرجات المؤتمر كانت هزيلة بكل المقاييس، إذ لم تترتب عليها أي نتائج عملية، فروسيا حتى اللحظة ليس لديها أي دراسات عملية حول آليات عودة اللاجئين، كما أن هذا الملف يحتاج إلى سلة كاملة ومتكاملة من التوافقات والضمانات الدولية، ليست متوافرة حتى اللحظة، ولو في حدودها الدنيا، فعودة اللاجئين من منظور الدول الفاعلة في الشأن السوري هي مسألة لاحقة للحل السياسي، أو متزامنة معه، وتحتاج إلى التزامات مالية كبيرة، جرت العادة أن تقدمها جهات أممية أو دولية كبرى، بالإضافة إلى الدول المعنية بالأزمة.
بالنسبة لأعمال اللجنة الدستورية، فقد وضع النظام السوري عقبات جديدة في وجه سير أعمالها، وذلك بطرحه نقاط جديدة على طاولة اللجنة، فيما يدعوه النظام بـ”الثوابت الوطنية”، حيث طالب وفد النظام بمساواة جماعة الإخوان المسلمين بتنظيمي داعش والنصرة في التصنيف الإرهابي، إضافة إلى دعم الجيش السوري، وتوجيه دعم إعادة الإعمار نحو مؤسسات الدولة، والطلب من الوفود الاخرى إدانة الاحتلالات التركية والامريكية للأراضي السورية.
يعلم النظام مسبقاً أن النقاط التي طرحها هي بمثابة طلب المستحيل من وفد المعارضة، أو بعض أعضاء وفد المجتمع المدني، وبالتالي فهو يسعى إلى عرقلة أعمال اللجنة، واللعب على عامل الزمن، وهو التكتيك الدائم لهذا النظام، لكسب المزيد من الوقت، وإحداث وقائع جديدة على الأرض، ويأمل النظام السوري أن يصل إلى الانتخابات الرئاسية من دون حدوث أي تحولات جدية تدفعه لتقديم تنازلات سياسية حقيقية.
خلال الِأشهر القليلة المقبلة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية، تبدو السيناريوهات كلها في مصلحة إجراء انتخابات تمهد لبقاء الأسد على سدة السلطة، وعلى الرغم من وجود تكهنات بحدوث بعض المتغيرات لجهة إشراك أطراف معارضة في الحكم، إلا أن كل الوقائع والحسابات السياسية المنطقية تؤكد أن أي اختراقات لن تكون كفيلة بتغيير واقع المأساة المزمنة للسوريين، كما أن أي انفراج سياسي في الملف السوري، ينبغي أن يتزامن مع انفراج اقتصادي معيشي، وهو الأمر الذي يبدو مستحيلاً في ظل التغيّرات التي طالت المنطقة والعالم، إذ لا توجد هناك أطراف متشجعة على تقديم دعم مالي كبير لتحوّل سياسي شكلي في سوريا.
يجدد حزبنا موقفه من اللجنة الدستورية، ويرى أنها في أفضل حالاتها لن تكون إلا عاملاً مساعداً على تعويم النظام السياسي السوري، في ظل اختلال قوى كبير على الساحة السورية، ويطالب الشخصيات المحسوبة على الخط الوطني العلماني الديمقراطي بالانسحاب من اللجنة، وعدم الإسهام في إعطاء شرعية لمسار اللجنة، الذي توضحت مآلاته، وذلك حفاظاً على تاريخها الشخصي وقناعاتها السياسية، وعدم هدر تضحيات السوريين التي قدمت من أجل عملية تغيير حقيقية.
السبت 16/1/2021