رأي
أخر الأخبار

الأفضلية للأبيض دائماً.. هل الشطرنج لعبة عنصرية؟

رامي زين الدين

خلال مشاهدتي للمسلسل الأمريكي الشيق The queen gambit أو “مناورة الملكة”، على شبكة “نتفلكس”، والذي يتحدث عن فتاة بارعة إلى حد الإبهار في الشطرنج، لفت انتباهي ولأول مرة رغم تعرفي على هذه اللعبة في سن مبكرة، أن الحركة الأولى دائماً ما تكون لصاحب الأحجار البيضاء. وسرعان ما تساءلت: لماذا؟ ألا تنطوي هذه الأفضلية على دلالات قد تكون عنصرية؟ وحتى لا أجتهد في الأمر، رغم استغرابه حقيقة، بحثت عنه في شبكة الأنترنت علّي أجد ضالتي.

في الواقع، لا يُعرف بدقة منشأ هذه اللعبة، لكن تُرجح بعض المصادر أنها ظهرت في الهند والصين خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وخلال عدة مئات من السنين انتشرت إلى باقي أنحاء العالم، ثم سرعان ما أصبحت من أشهر الألعاب لدى مختلف الشعوب والثقافات.

على عكس ما هو اليوم، لم تكن قاعدة الأفضلية للون الأبيض على هذا النحو في لعبة الشطرنج، حيث بدأ هذا العرف بالانتشار في أواخر القرن التاسع عشر، وتعود بداية الفكرة إلى العام 1857 عندما اقترح البريطاني يوهان لوفينثال، خلال أول مؤتمر أمريكي للشطرنج، عُقد في نيويورك آنذاك، منحَ صاحب الأحجار البيضاء الخطوة الأولى الإلزامية، إلا أن هذه القاعدة لم تُعتمد على الفور، وحافظ منظمو البطولة على نظام القرعة.

ويبدو أنني لست أول من انتبه لما يوحي إليه هذا العرف في اللعبة، إذ أطلق بطل العالم للشطرنج النرويجي ماغنس كارلسون وزميله الهولندي أنيش جيري، في شهر مارس 2019، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو إلى كسر قاعدة منح الأفضلية لصاحب الأحجار البيضاء في بدء اللعبة، وأطلقا على الحملة اسم #Moveforequality، بمعنى “التحرك من أجل المساواة”، حيث تزامنت مع اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، وقام الثنائي بنشر مقطع فيديو قصير لدعم هدف الحملة.

على الرغم من أن عملية البحث القصيرة التي أجريتها لمعرفة أسباب اختيار اللون الأبيض في بداية مباريات الشطرنج لم تفضِ إلى نتيجة حاسمة وجازمة، في ما إذا كانت ذات خلفية عرقية أم لا، غير أن هذا الأمر قادني إلى مظاهر أخرى، قد لا يشعر المرء للوهلة الأولى أنها تنطوي على معاني عنصرية، لكنها في الحقيقة أكثر من ذلك!

ربما من غير المفيد الخوض في هذا المقال حول تاريخ العنصرية وبداياتها، إذ سيحتاج الأمر، لا شك، بحثاً أوسع وأشمل بكثير من مجرد محاولة معرفة سبب أفضلية اللون الأبيض في الشطرنج، لكني تذكرت فجأة وسط هذا كله، مفردات ومسميات شائعة الاستخدام في بعض المجتمعات العربية، منها على سبيل المثال لا الحصر، أحد أنواع الحلويات الرخيصة يُطلق عليه “رأس العبد”، وهو على شكل دائري بحجم كرة البيسبول مغطاة بالشوكولا، ولعلّ اختيار ذلك الاسم أوضح من أن يُشرح، إلا أن الأغرب من ذلك اعتياد الناس على استخدامه دون إدراك الكثيرين لمعناه المليء بالعنصرية الصارخة!

وعلى غرار ما سبق، هناك أحد أنواع البقوليات المعروف باسم “الفول السوداني”، حيث يُطلق عليه في بعض الدول “فستق العبيد”، وهو الآخر يحمل معانٍ عنصرية واضحة، لكن مع ذلك لا يزال اسماً شائعاً جداً، وقد لا ينتبه الناس، مع تكرار استخدامه لسنوات طويلة، ما يحتويه من دلالة مهينة بحق أصحاب البشرة الداكنة.

حدث ذات مرة عندما كنت مراهقاً، أن شاهدت مباراة لكرة القدم في منزل أحد أصدقائي، وأذكر كيف أن والدته استغربت لون بعض اللاعبين، متسائلة: كيف يتحملون أنفسهم بهذا السواد؟ وقد أجبتها كاظماً غيظي: ربما هم يقولون عنا نفس الشيء! وأردفت “يا خالة هؤلاء لم يدهنوا بشرتهم باللون الأسود. لقد خلقهم الله على هذه الصورة كما خلقنا نحن بلون آخر”. لا أذكر بقية الحديث، لكني أعرف أنها امرأة طيبة وجيدة، وأكاد أجزم أنها لم تلتقِ طيلة حياتها بأفارقة، لكن هكذا هي الصور النمطية، كثيراً ما يتبناها الناس دون إدراك ما تنطوي عليه من مواقف غير إنسانية!

تصنيف الناس والمفاضلة بينهم على أساس العرق واللون والجنس والثقافة والدين، سلوك بشري قديم قدم التاريخ، ورغم الشوط الكبير الذي قطعه العالم والمنظمات الدولية في تجريم العنصرية، لكن الطريق إلى الإجهاز عليها تماماً لا يزال طويلاً، إذ من السهل سنّ القوانين التي تحظر التعامل العنصري بين الناس، لكن ليس من السهل أن ترسخ مبادئ المساواة الإنسانية في العقول والقلوب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق