رأي

أخيراً ، وجد معارضون “الغريبَ” الذي قَضّ مضجع الثورة!

حسام ميرو

تروى نكتة من تسعينيات القرن الماضي، أن “المغفور له”، “القائد الخالد” حافظ الأسد أغلق باب مكتبه لساعات حتى أن مدير مكتبه ومستشاريه شعروا بقلق بالغ على “سيد البلاد والعباد”، وبعد أن طرقوا الباب عليه لمرات دون أن يجيب قرروا فتح الباب مهما كلف الثمن، ولمّا دخلوا عليه رأوه ساهماً منزعجاً وعلامات الضيق بادية على وجهه، فقال مدير مكتبه: رجاءً سيدي أخبرنا ما الذي يزعجك إلى هذا الحد، فأدار الأسد رأسه ببطء وقال: “معقول لسه في موظف بيقبض ألفين ليرة”.

في لحظتها ذهبت دورية أمن تجوب شوارع دمشق، وكان الوقت ليلاً، فأوقف عناصر الدورية رجلاً وسألوه ماذا تعمل، فقال مهندس، ثم سألوه: كم راتبك، فقال: ستة آلاف ليرة، فتركوه، ثم أمسكوا رجلاً أخر فكان موظفاً إدارياً يتقاضى خمسة آلاف ليرة فتركوه، وهكذا حتى عثروا على رجل منهك تماماً وظهره محني، فسألوه السؤال نفسه فأجاب أنا عامل تنظيفات وراتبي ألفي ليرة، فما كان من عناصر الدورية إلا أن أوسعوه ضرباً وهم يصيحون: “أنت اللي زاعج سيادة الرئيس يا حقير”.

تذكرت هذه النكتة وأنا أتابع تهليل البعض للحكم بالسجن على عنصر الأمن إياد الغريب من قبل محكمة ألمانية، حتى أنني تخيلت أن ما كان يزعج “الثورة” و”المعارضة” هو إياد الغريب، وبالحكم عليه نكون قد أوقفنا حقيقة ما يزعج ويقض مضجع “الثوار” و”المعارضين”، وسيقول أحدهم، بل كثر، وهل هذا يعني أنه يجب عدم محاكمة أي أحد حتى تتم محاكمة كبار المسؤولين فيما كان “نظاماً سياسياً”؟

يعرف السوريون جميعاً معارضة وموالاة وما بينهما أن تعداد عناصر الأمن السوري من أفراد وصف ضباط يبلغ رقماً كبيراً، وصل في بعض السنوات إلى أكثر من مئة ألف عنصر، وهذه الفئة هي من الفئات الأقل حظاً في التعليم والأوضاع المعيشية، وجدت في ظل دولة استبدادية أمنية التطوع في الأمن والجيش ضالتها للحصول على وظيفة، ومعظم هذه الفئة هم من أبناء مدن وأرياف مهمّشة في كل مناحي الحياة، وهم من الناحية الوظيفية المكلفون بتنفيذ الأوامر، وليسوا من يضعون القرارات أو يأمرون بها.

منذ سنوات دار نقاش في منابر المعارضة حول من هي الفئة التي حكمت سوريا، حتى أن بعض كبار أشاوس المعارضة قالوا إن الضباط السنّة الكبار كانوا مجرد دمى وبيادق، فيما أسموه نظاماً طائفياً، وكان ذلك محاولة صريحة لبناء ما يسمى سردية المظلومية السنية التي اشتغلت عليها قوى بعينها، محسوبة على “الثورة والمعارضة”، من دون الانتباه إلى أن تبرئة الضبّاط السنّة الكبار أو غيرهم تتجاهل أنهم كانوا مشاركين في المزايا إن لم نقل في صناعة القرار، وهذه مسألة تحتاج إلى نظر.

بعد عقد كامل على الحدث السوري التاريخي، فإن أقصى ما وصلنا إليه هو محاكمة عنصر أمن في النظام، وهو كان قد ترك عمله وغادر، وأدلى في إفادة لجوئه بمعلومات حول عمله، كانت لاحقاً سبباً في استدعائه للشهادة، ثم تحويله من شاهد إلى متهم، وسيقول البعض هنا: ربما تكون هذه البداية، لكن السؤال: هل هذه بداية مبشّرة حقاً؟

هل المطلوب في العدالة، في ظل المعطيات السورية، أن تتم محاكمة كل عناصر الأمن من أفراد وصف ضباط، وهم في تاريخ سوريا بعد السبعينات مئات الألوف؟ وهل هذا ممكن؟ وهل ستكون الموارد والمحاكم السورية كافية ومؤهلة لمحاكمة كل هذا العدد؟ وهل ستفيد محاكمتهم العدالة الانتقالية، أم ستكون تلك المحاكمات في حال حدوثها سبباً آخر في حالات الثأر والانتقام وزيادة الانقسامات في المجتمع السوري المتشظي أصلاً؟

هل المطلوب محاكمة أشخاص من الفئات الفقيرة والمهمّشة أم محاكمة من صنع تلك الأوضاع البائسة واستغلها لجعل الناس مرتهنين، ليس أمامهم سوى خيارات قليلة، من بينها التحول إلى أداة تافهة وتنفيذية في يد سادة النظام؟

كان ينتظر السوريون محاكمة الفئة الأهم الضالعة والمسؤولة عن اتخاذ القرار السياسي والأمني، ولا تزال هذه الفئة بحكم موازين القوى بعيدة عن أي خطر المحاكمة، بل ربما يعاد تأهيلها في أي حل سياسي سوري، وإلا على ماذا تتفاوض الهيئة العليا للمفاوضات التي تتضمن ما يسمى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”؟

هل كانت محاكمة إياد الغريب جائزة ترضية غربية لبعض المحامين السوريين ومؤسساتهم الحقوقية التي يتلقى معظمها دعماً من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، في الوقت ذاته قد لا يكون لدى بعض حكومات الاتحاد وأحزابه السياسية أي مانع من إعادة تأهيل نظام الأسد، وبعضها يستعد لترحيل لاجئين سوريين، كما الدانمارك؟

سيقول أحدهم وهل تشكّك بالعدالة الغربية؟

هذا السؤال تحديداً أجاب عنه مفكرون ومثقفون كثر عرب وغربيون ومن كل بقاع الأرض، وليس بحاجة إلى إعادة التذكير بأن بعضنا، بل معظمنا، تحدث مراراً وتكراراً، عن تخاذل الغرب في دعم القضية السورية.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق