ما العمل؟.. قراءات نقدية من أجل مستقبل سوريا.

16 خلاصة لعقد من بدء الحدث الوجودي السوري

بقلم : حسام ميرو

أن يقف السوريون والسوريات اليوم، بعد مضي عقد كامل من الحدث السوري الوجودي والتاريخي، لمراجعة محطّات ومراحل تطورات هذا الحدث، وتقديم خلاصات عقلانية حوله، فإن هذه الوقفة النقدية هي بحد ذاتها إسهام وطني، إذ أن أي تجربة بهذا الحجم ينبغي ألا يتم تجاهلها نقدياً، والمقصود هنا النقد الذي يمكن أن يؤسس لعمل سياسي مغاير لما شهدناه خلال السنوات الماضية.

بالطبع، قُدّمت إسهامات عديدة في مجال نقد الحدث السوري، وبعضها كان وازناً فكرياً وسياسياً، ولذلك فإن البناء على ما قُدّم، والإضافة إليه، وتكثيفه، سيساعد في إزالة ما تبقى من أوهام، ومواجهة حالات إنكار عديدة للنتائج، خصوصاً على جبهة الهزيمة التي مُني بها الوطن السوري، بكل ما يعنيه هذا الكيان من ممكنات للوجود، تستمر محاولات المنكرين في وأد ما تبقى من تلك الممكنات.

سأحاول من خلال تجربتي التي تتضمن النشاط السياسي والإسهام البحثي والكتابي، آخذاً بالحسبان تجارب عدد من الفاعلين في حقل الفكر والسياسة، الذين أسهموا في خط نقدي سوري، بعيداً عن الشعبوية التي راجت سياسياً وإعلامياً، سأحاول من خلال هذه التجربة تقديم خلاصات قراءتي لتجربة العقد الماضي، وتلك الخلاصات هي:

  1. أن ما وصلنا إليه اليوم، هو بالتوصيف المباشر، ومن دون مواربة، هو هزيمة للتجربة الوطنية السورية، وفي مقدمتها هزيمة النخب السورية في السلطة والمعارضة.
  2. الاستقواء بالخارج، كان سمة مشتركة بين النظام والمعارضة، وهذا الاستقواء مؤشر لضعف الثقة بالحامل الوطني من جهة، ولغياب الوطنية في حدّها الرئيس، أي باعتبارها حدّاً على الخارج، وفضاءً للمصالح المشتركة في الداخل بين مواطنين ينتمون إلى كيان واحد، ليس مسموحاً لهم الاستقواء في صراعاتهم الوطنية بالخارج.
  3. الصراع العسكري كان أحد المقدّمات الكبرى والرئيسية لتقسيم الوطن السوري إلى مناطق نفوذ، تحكمها سلطات الأمر الواقع، لا تتمتع بشرعية انتخابية تمثيلية، مهما ادّعت ذلك.
  4. السلطة والمعارضة الرسمية والفصائل المسلحة، جميعها تعامل مع فكرة الدولة ومؤسساتها بخفّة بالغة، بحيث قامت جميع هذه الأطراف بتهشيم مؤسسات الدولة، وكأنها تنتمي لبلد آخر غير الذي ينتمون إليه.
  5. كما أسهم النظام في اختزال شرعية الدولة السورية بالسلطة، حاول الإسلاميون وعملوا على اختزال ثورة السوريين بالشرعية الدينية.
  6. التيارات العلمانية الليبرالية الديمقراطية، لم يكن لها أي وزن في الصراع، وكان بعضها ملحقاً بالنظام، والآخر بالمعارضة، وقد انتابت كياناتها ورموزها الكثير من الأمراض، التي حالت دون تقاربها، واشتغالها على خط مغاير لمجريات الصراع.
  7. أسهم الخطابان السياسي والإعلامي الشعبويان في تغييب الحقائق والمعلومات، وقاما بتصدير رموز ضعيفة التكوين وتابعة، وأبعدا الأصوات العقلانية.
  8. استجلاب الجهاديين إلى الساحة السورية، وعلى الرغم من الأدوار الإقليمية والدولية فيه، إلا أن هذا لا يعفي كثير من السوريين من مسؤولية المشاركة المباشرة وغير المباشرة في مساعدة الجهاديين ليكونوا جزءاً من الصراع الدائر في الوطن السوري.
  9. التكلفة الإنسانية والعمرانية والمادية وهجرة العقول والكفاءات والأوضاع المعيشية المهينة للسوريين، ينبغي ألا تكون مجرد أرقام، بل دافعاً للنظر العقلاني في العمل لمنع اندثار الكيان السوري، أو تحويله لدولة فاشلة لعقود أخرى.
  10. أي مظلوميات لدى فئات معينة عرقية أو طائفية لا ينبغي أن تشكّل حقائق معزولة عن مجمل المسألة السورية، وأي محاولة لحل تلك المظلوميات بشكل منفرد هو وهم يضاف لمجموعة الأوهام السورية.
  11. إن فكرة الأكثرية والأقلية هي فكرة سياسية مرتبطة بالنظام الديمقراطي، ولا ينبغي أن تكون مسألة متعلقة بالانتماءات ما دون الوطنية، كما أنه لا ينبغي أن تكون الديمقراطية معزولة عن المواطنة المتساوية.  
  12. الرأسمال السوري وممثليه من رجال أعمال، لم يَظهروا في المجمل، ما عدا قلة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، كممثلين للرأسمال الوطني، وهذه واحدة من أهم القضايا وأخطرها في مسار العقد الماضي.
  13. أسهمت الثنائيات التي اخترعتها أطراف الصراع وروّجت لها كحقائق صمّاء في انقسام المجتمع السوري، وبقاء تلك الثنائيات سيحول دون أي تقدّم في رسم ملامح حلول وطنية.
  14. الترويج المستمر لفكرة أن الحلّ خرج من أيدي السوريين لا يخدم قضيتنا السورية، بل يحولنا إلى متفرجين على مصائرنا ومصائر الأجيال المقبلة، بل أن الصحيح لا حلّ حقيقياً ومستداماً من دون أن يسهم في صناعته السوريون.
  15. أثبتت السنوات الماضية أن الأحزاب الشمولية، أكانت قومية أو دينية أو أيديولوجية، هي جزء من المشكلة الوطنية، وعليه فإن بناء فعالية سياسية مختلفة ينبغي أن يكون عبر أحزاب ديمقراطية.
  16. لم تُمنح المسألة الطبقية في الصراع السوري الأهمية التي تستحقها، مع أنها إحدى المسائل الجامعة للسوريين الذين همشهم النظام السياسي عبر عقود، وهي قضية في صلب الصراع ضد أي نظام احتكاري للسلطة والثروة.

هذه الخلاصات، أزعم أنها تشكل أرضية لبدء نقاش عقلاني بين السوريين، إذ أن إنكار الحقائق أصبح جزءاً لا يتجزأ من مشكلتنا الوطنية، وهو مسألة إيديولوجية أو دفاع عن مصلحة خاصة أو تعبير عن نضج في الشخصية أو نتيجة لصدمة نفسية لم تجد طريقها للتعافي، أو نتيجة لهذه الأمور مجتمعة، لكن عملية إنكار الحقائق، ومهما كانت مُرضية لتجنيبنا تحمّل المسؤولية، إلا أن ما من خطوة إلى الأمام قبل الإقرار بالحقائق، مهما كان الإقرار بها مؤلماً.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق