ندوة حول “الإيديولوجيا” تقرأ تقاطعات المفهوم في الواقع السوري
نظّمها “حدْس” وضمّت ثلاثة مشتغلين في الفكر والسياسة

مجد إبراهيم- حدْس:
أقام الحزب الدستوري السوري ندوة بعنوان “الإيديولوجيا في الواقع السوري”، مساء يوم الأحد 14 يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، وذلك عبر تقنية الفيديو، شارك فيها كل من الأستاذ حسام ميرو، ود سربست نبي، والأستاذ منير الخطيب، وأدارها الرفيق فيكتوريوس بيان شمس (إعلامي وباحث)، وحضرها عدد من السياسيين والأكاديميين والمهتمين بالشأن العام.تضمّنت الندوة ثلاثة محاور رئيسية، وهي سبر الإيديولوجيا كجزء من دينامية التفاعل التاريخي في سوريا، وأبرز التجليات السياسية للإيديولوجيا، والصراعات الإيديولوجية بعد الثورة السورية.
في المحور الأول، ركّز ميرو في مقاربته على العلاقة بين المفهوم والواقع من خلال تحليل البنية التاريخية لتشكّل سوريا كدولة، بعد انهيار السلطنة العثمانية، ومركزية سؤال الذات، ومحاولة تعريف السوريين لذاتهم بعد أن كانوا لقرون مجرد رعايا في السلطنة العثمانية، في دورة إنتاج زراعية- فلاحية بسيطة، وتعداد سكاني بحدود مليون ونصف مليون، وقد اعتمد ميرو في هذا التحليل على اعتباره أن”مفهوم الإيديولوجيا هو مفهوم حديث نسبياً، يعود للقرن الثامن عشر، بتـأثير من الثورة الصناعية الأولى، وفكر التنوير، والثورة الفرنسية”.
أما د نبي، فقد عدّ الإيديولوجيا سمة لكل المجتمعات الإنسانية، وأنها كانت حاضرة دوماً عبر التاريخ، وهي “كنسق معرفي، وجودها أقدم من الأنساق المعرفية الأخرى، بوصفها علاقة بين الوعي والواقع والعالم”.
وأكد نبي على الطابع المزدوج للإيديولوجيا، فهي ذات “طابع نظري وآخر عملي،
فمن الجانب الأول هي نظرية عامة من التصورات والأوهام، ومن الجانب الثاني تعكس مصالح عملية معينة فئوية طبقية، وتحاول أن تسوّغ تلك المصالح”،
واعتبر نبي أن واحدة من مشكلات الإيديولوجيا هي تعريف الإنسان بشكل جزئي (عربي، كردي، سني، شيعي… إلخ)، وهي بذلك تختزل كليّة ألإنسان، وهي تتمتع بجانب لاعقلاني، تنشأ عنه سلوكيات عاطفية انفعالية.
أما الخطيب، اعتبر أنه من الضرورة بمكان تعريف المفهوم وضبطه بمجموعة من المحدّدات، وأن التعريف الماركسي لا يزافل راهناً، والذي يعدّ الإيديولوجيا وعياً زائفاً، وعلى صلة وثيقة باغتراب الإنسان، وأن الإيديولوجيا تشكّل خطراً عالمياً إلى جانب الخطر البيولوجي والبيئي، كما اعتبر أن الإيديولوجيا تشكّل عائقاً أمام العقد الاجتماعي، لأنه يبرم بين أشخاص أحرار، والإيديولوجيا تعيق عامل الحرية.
وفي المحور الثاني، قال ميرو، إن التجربة السورية، عرفت تجليات إيديولوجية عديدة، قومية، وماركسية، وإسلامية، وأن هذه التجليات، كانت جزءاً لا يتجزأ من ديناميات التفاعل في المجتمع السوري، وانه ضمن التيار الواحد، كانت هناك تباينات إيديولوجية، فالتيار القومي، على سبيل المثال، ضمّ مرجعيات إيديولوجية عدة، كالمرجعية الماركسية.
واعتبر ميرو تعميم فكرة أن “الإيديولوجيا ضد الحرية على طول الخط، لا يلحظ أن الإيديولوجيا نظرة إلى الكون، وهي ركن أساسي في العمل اليساسي، أو تصوّر الدول لمكانتها ودورها”.
أما الخطيب، فرأى أن “نقد الإيديولوجيا لا ينفي وجودها”، واستحضر شخصيات “الشيخ والليبرالي والتقني”، التي كان قد اعتمدها المفكر عبد الله العروي في تحليل “الأيديولوجيا العربية المعاصرة”، ورأى الخطيب أن هذه الشخصيات الثلاث، تبلورت في ثلاثة تيارات، الإسلامي، والقومي العربي، والاشتراكي، وانقلبت على براعم صدمة الحداثة، وأيضاً انقلبت على الفكرة الوطنية.
واعتبر الخطيب أن ممارسة الأحزاب السورية، كانت ممارسة إيديولوجية، حتى في الحكم، ورأى أن “قرارات التأميم في الستينيات من القرن الماضي، لم تكن مجرد مصارة لأملاك، بل مصادرة لفكرة الملكية بالأساس”.
بينما اعتبر د. نبي أن “الإيديولوجيا ظلّ التاريخ، وهي تبقى ملازمة له”، وأن الإيديولوجيا توجد دوامة من الأوهام، تجعل الإنسان يستغرق فيها، وهي مسألة تظهر في المكانة التي تعطيها الأمم للغاتها، و”نحن نحتاج إلى الإيديولوجيا لتبرير التاريخ”، لكن “أيضاً تلعب الإيديولوجيا دوراً محفّزاً كما تأخذ دوراً مثبّطاً”.
المفاهيم، بحسب د. نبي، كلّها إيديوجيا، بما فيها العلمانية، والديمقراطية، والحداثة، وعارض د. نبي ما قاله الخطيب بشأن الأحزاب السياسية في سوريا، وقال إن الأحزاب كلها سياسة، وأن لا “وجود لسياسة صرفة إلا في جامعات السياسة”.
وقال إننا لا ندين الإيديولوجيا، فهي موجودة في التاريخ وعابرة له.
وحول السؤال الثالث ماهي معالم الصراعات او الاختلافات الإيديولوجية بعد 2011 ؟، قال ميرو، إن أحد الأسباب الرئيسيىة للمأزق الذي مهّد لثورة 2011، هو الصراع الإيديولوجي المكبوت في الواقع السوري، واعتبر أن الإيديولوجيا الإسلامية كانت حاضرة بقوة، ووجدت تعبيراتها الواقعية، بعد أن اختلّت موازين القوى القديمة، كما شهدت الإيديولوجيا القومية، بنسختها الكردية حالة صعود، لكن الإيديولوجيا الدينية “الإسلامية” والقومية “الكردية” خلت من التنظيرات التي يمكن الاشتباك معها معرفياً.
ورأى أن هناك تيار ليبرالي صاعد بعد الثورة، لكنه منقطع عن البنية الاقتصادية الاجتماعية المطلوبة، فسوريا اليوم تعيش “في ظل اقتصاد حرب، وليس فيها دورة إنتاج، تبلور فئات اجتماعية”.
أما د نبي، فقال “إن سوريا لم توجد فيها دولة، بل سلطة مشوّهة نشأت عن النظام الكونيالي، وسلطة فشلت في خلق مجال عام للمواطنة، وهذا يفسر الوعي المنحرف لكل المكوّنات السورية، ويفسر غياب الوعي المشترك للسوريين”.
وطرح د نبي سؤالاً حول مدى استعداد السوريين للعمل المشترك لإنتاج سوريا واحدة، تتخلى فيها كلّ المكونات عن أوهامها التاريخية والإيديولوجية”.
بينما، قال الخطيب، إنه “عندما حدث الإنفجار التاريخي الكبير سنة 2011 كنا أمام مجتمع يتميز بتأخر تاريخي، ونقص بالأندماج الوطني، ويعيد الإعتبار للبنى الاجتماعية ماقبل الوطنية، في ظل غياب فكرة التنمية والإنتاج، وكل هذا، شكّل فرصة لتصاعد الصراع السني والشيعي”.
ورأى أنه ضمن هذا المناخ “يمكن رصد مجموعة من الظواهر، في مقدمتها انبعاث التأخر من قيعان المجتمع، الذي منع نشوء تيارات ديمقرطية فكرية”.
ويذكر أن حسام ميرو، باحث وكاتب، ورئيس الحزب الدستوري السوري، ود سربست نبي، متخصّص في الفلسفة الحديثة، ويعمل أستاذاً محاضراً في عدد كم الجامعات، ومنير الخطيب، مهندس، وكاتب في الفكر السياسي.
ويشار إلى أن الندوة بثّت على صفحة الحزب في الفيسبوك، ويمكن مشاهدتها عبر الرابط: https://www.facebook.com/watch/?v=254465957670358