رأي

تداعيات الحرب الجارية على الاقتصاد اللبناني

د. رفعت عامر

تعدّ  لبنان تاريخياً ُالوجهة المفضلة للسياح من مختلف أنحاء العالم، وخصوصاً من دول الخليج العربي، بسبب من تميزها، بطبيعة خلابة وخدمات سياحية ومصرفية تضاهي تلك الموجودة في الدول المتقدمة. ولكن عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي ساد عموم المنطقة ولبنان، في العقدين الاخيرين، تحت تأثير الدور السوري اولاً والايراني لاحقاً من خلال ميليشيا “حزب الله”، حول لبنان الى منطقة غير أمنة ونابذة للسياحة والاستثمار، خصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ما أسهم في فقدان هذا البلد تلك الميزة التنافسية التي تمتع بها عبر سيرورة تطوره التاريخي.

عكست المؤشرات السياسية والاقتصادية في السنوات الاخيرة قبل الحرب، التدهور الحاصل في هيكل ومفاصل الدولة التي تحكم بها “حزب الله”، وأحتكر القرارات السيادية فيها، بالإضافة للتعميم الشامل للفساد، واحتكار المنافع الاقتصادية، حتى تحول لبنان الى دولة فاشلة بكل المعايير الدولية.

لم تأتِ الحرب الاخيرة بين إسرائيل وميلشيا “حزب الله” كحالة طارئة، وانما نتيجة لتراكمات طويلة من ممارسات “حزب الله” ومجموعات الفساد اللبنانية، التي استدعت التدخل الاسرائيلي المترقب طويلاً. هذا التدخل الذي فاقم من حدّة التدهور في الأوضاع الأمنية والاجتماعية ومؤشرات الاقتصاد الكلي، وتركت أثاراً عميقة على مختلف جوانب حياة السكان في لبنان، ومن هذه المؤشرات الاقتصادية نذكر التالي:

1. انخفاض الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وارتفاع معدلات التضخم:

انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنسبة تتراوح بين 20% إلى 25% منذ بداية النزاع. كما ارتفعت معدلات التضخم للتجاوز 150% في عام 2023، وإلى مستويات أعلى في عام 2024. وارتفعت على الخصوص أسعار السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود، ما أثر على قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية. هذا التضخم يؤثر بشكل مباشر على الفئات الضعيفة في المجتمع، ما يزيد من الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء.

2. ارتفاع معدلات البطالة:

مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، زادت معدلات البطالة بشكل كبير. العديد من الشركات، خصوصاً تلك المرتبطة بالقطاع السياحي والخدمات، اضطرت إلى إغلاق أبوابها أو تقليص عدد موظفيها. هذه الزيادة في البطالة وصلت إلى أكثر من 30%عام 2024، وأثّرت بشكل كبير على الأسر اللبنانية، وأدت إلى تفاقم الفقر وتدهور مستوى المعيشة، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، ما يعكس تدهور الأوضاع المعيشية، وارتفاع منسوب الضغوط والمشكلات الاجتماعية.

3. الدين العام:

بلغ الدين العام اللبناني حوالي 180% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يُعتبر أحد أعلى المعدلات في العالم.

4. تدهور السياحة

تعدّ السياحة أحد الركائز الأساسية للاقتصاد اللبناني، ولكن الحرب الجارية أدت إلى تراجع عوائد السياحة بنسبة تفوق 70% مقارنةً بالسنوات السابقة على النزاع. بسبب الانخفاض الكبير في أعداد الزوار والسياح، الذين كانوا يتوافدون إلى لبنان للاستمتاع بجماله الطبيعي وتراثه الثقافي، فقد أصبحوا يتجنبون البلاد بسبب المخاوف الأمنية. هذا التراجع أدى إلى خسائر فادحة في القطاع السياحي، وأثّر سلبًا على العديد من الأعمال التجارية الصغيرة والكبيرة.

5. تراجع الاستثمارات المباشرة:

إن عدم الاستقرار السياسي والأمني، جعل لبنان بيئة غير جاذبة للاستثمار، تتجنب فيه الشركات المحلية والأجنبية المخاطرة باستثماراتها في بيئة غير أمنة. هذا التراجع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة تزيد عن 50%، انعكس سلباً على النمو الاقتصادي، وقلّل من فرص العمل المتاحة.

6. تدهور البنية التحتية:

أدت الحرب إلى تدهور البنية التحتية، فقد تضرّرت الطرق والمرافق العامة بشكل كبير، حيث قدر إجمالي الأضرار في البنية التحتية بنحو 10 مليارات دولار، ما يزيد من تكلفة الصيانة، ويحدّ من قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية. هذا التدهور يعيق النمو الاقتصادي ويؤثر على جودة حياة المواطنين.

وأخيراً،  ومع تزايد الأوضاع الامنية والاقتصادية الصعبة، لم يبقَ امام الكثير من اللبنانيين، إلا طريق الهجرة والبحث عن فرص عمل وحياة أفضل في دول أخرى. هذه الهجرة التي ستؤدي إلى فقدان البلاد للعديد من الكفاءات والمواهب، وتضعف القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني على المدى الطويل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق