ميديا

اللواء محمد الحاج علي: النظام لا يستطيع الانفكاك عن إيران وغير قادر على مواجهة توغّل إسرائيلي

“حدْس”- حوار خاص:

في التحوّلات التي شهدتها سوريا بعد ثورة آذار 2011، خصوصاً الجانب العسكري، وما ينطوي عليه من مشكلات وإشكالات، وصولاً إلى اللحظة الراهنة سورياً وإقليمياً، جاء هذا الحوار مع اللواء محمد الحاج علي (اختصاص مشاة)، ليسلط الضوء على عدد من القضايا العسكرية، المرتبطة بسيرورة الحدث السوري من جهة، وما يحيط به من تطورات واحتمالات.

واللواء محمد الحاج علي، شخصية معروفة على نطاق واسع، فهو من أبرز وأرفع الرتب العسكرية التي انشقّت عن المؤسسة العسكرية، وله خبرة طويلة في إدارة المؤسسات العسكرية، حيث كان يشغل منصب مدير كلية الدفاع الوطني لحظة انشقاقه، في شهر أغسطس/ آب 2012،  وحاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة الاستراتيجية القومية للدول والأمن القومي من جامعة ناصر، وكان قد بدأ حياته العسكرية منذ تخرجه من الكلية الحربية عام 1977، برتبة ملازم أول، ومنذ ذلك التاريخ تولى مهاماً ومسؤوليات عديدة، بالإضافة إلى عمله باحثاً في مركز البحوث العلمية والعسكرية بين عامي 1995 و2000، وله عدد من الأبحاث المنشورة، وهو من مواليد درعا، عام 1954، ويعيش حالياً في ألمانيا.

س: بعد كل هذه السنوات من الثورة والحرب، هل ترى أن خيار عسكرة الثورة كان صحيحاً من الناحية العسكرية؟

– بداية لا نستطيع أن نسمي ما حصل في سوريا ثورة بالمعنى الحقيقي، لأن ما حصل هو انفجار بسبب ما قام به نظام الأسد الأب والابن من ضغط على السوريين، بسلوكيات مؤسساته الأمنية والإدارية وفسادها، وغياب القانون وانسداد الأفق امام السوريين للوصول الى دولة المواطنة، كل ذلك أدى الى الانفجار، فالثورة لها قواعدها، وأهمها  وجود حزب أو ائتلاف أحزاب تقود الثورة وتوجهها وتدير أدواتها.

أما ما يخص السؤال حول عسكرة الثورة، هل كان صحيحاً أم خاطئاً، بالتأكيد كان خاطئاً، لكن من هي القوى التي تستطيع أن تأمر ببقاء الثورة من دون تسليح، وهل كان لها رأس يحركها، ففي ظل الفوضى وعفوية الحراك وعنف النظام وأجهزته الأمنية والمجازر التي ارتكبها، وعدم وجود قيادة لهذا الانفجار (الثورة)، كل ذلك أدى إلى عمل كل مجموعة بمعزل عن الأخرى، إضافة الى تبرير النظام للعنف والمجازر التي ارتكبها، بحجة أنه يواجه مسلحين ومجموعات إرهابية، ومن المعروف أن النظام قام بتسليح بعض المجموعات، ليثبت أنه يواجه الإرهاب.  

س: بوصفك ابن المؤسسة العسكرية، وقضيت عقوداً طويلة فيها، ما هو برأيك وضع هذه المؤسسة اليوم؟

– لا استطيع أن أقدّر اليوم وضع المؤسسة العسكرية وأنا بعيد عنها منذ اكثر من 12عاماً، ومن يستطيع هم القائمون عليها حالياً، لكن أستطيع القول إن هذه المؤسسة أنهكت وتدمّر قسم كبير منها، واستشرى فيها الفساد والمحسوبيات والفوضى، وعدم الانضباط، أضعاف ما كان عليه الوضع قبل الثورة، إضافة لسيطرة القوى الأجنبية عليها، ونقص الكادر البشري، ومحدودية الإمكانيات المادية والتسليحية، وهناك عتاد كبير جدا يحتاج الى صيانة، بعد أن استخدم خلال الأعوام السابقة، وضعف الأجور والإمدادات، وضعف المخصصات المالية للمؤسسة العسكرية، وغير ذلك من المتطلبات الضرورية لقوة المؤسسة، كما أن المؤسسة فقدت مشروعيتها لدى القسم الأكبر من أبناء الشعب السوري، كونها استخدمت لقمع الشعب، وتدمير القرى والمدن، وإذا ما حدث حلّ سياسي، ستحتاج المؤسسة إلى فترة لا بأس بها للتعافي، واستعادة ثقة الشعب بها.  

س:  توصف علاقات النظام السوري بإيران بأنها استراتيجية، بما فيها الجانب العسكري، فهل يستطيع النظام اليوم بشكل عام، والمؤسسة العسكرية بشكل خاص، الانفكاك من هذه العلاقة، وفي حال رغب النظام، فما هي السيناريوهات المتوقعة؟

علاقة النظام مع إيران علاقة مصلحة للطرفين، فالنظام يعرف أنه غير شرعي، وهو بحاجة إلى ظهير يساعده على البقاء في الحكم، في حال تعرض إلى التهديد، وإيران تحتاج الى أداة تستخدمها لتسيطر على منطقة شرق البحر المتوسط، لتصل إلى لبنان، وهذه العلاقة نسجت على مرّ السنوات الطويلة، خصوصاً خلال الحرب الإيرانية –العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، كون نظام الأسد كان في عداوة مع نظام صدام في العراق، فالجهتين بحاجة ماسة لبعضهما البعض.

وأنا بتقديري أن النظام لا يستطيع الابتعاد عن إيران في الوقت الحالي لأسباب عديدة، أهمها أنه لا يثق بالدول العربية في حمايته ودعمه، وسوء علاقته بتركيا والدول الأوروبية وأمريكا، كذلك، فإن حجم ديونه لإيران كبير جداً، ولا يستطيع تسديدها، وتغلغل إيران في مؤسسات الدولة، كما أنه خلال السنوات الماضية، باع أجزاءاً من سوريا للإيرانيين، والقوات الإيرانية موجودة اليوم على الأرض، ولها صلات قوية داخل المؤسستين العسكرية والأمنية، وإسهامها الرئيس بتجارة المخدرات، والشراكات الاقتصادية.

          أما في حال رغب النظام في الانفكاك من هذه العلاقة، هناك عدة سيناريوهات من أجل الانفكاك، أهمها الضغط الإسرائيلي عليه، وتهديده بالاجتياح وإسقاط النظام، وهذا احتمال لا يمكن استبعاده، ضمن ما نرى من تطورات، وأيضاً العمل على تحسين علاقاته مع الدول العربية، وتركيا، وأمريكا، وعموم الغرب، بعد إجراء تغييرات كبيرة في سلوكياته، وذلك من خلال حلًّ سياسي، ولا بد لنا هنا، أن نأخذ بالحسبان انكفاء المشروع الإيراني في المنطقة، بعد ما حدث من تدمير كبير لقوة “حزب الله”.

س: هناك اليوم عدد من القوات غير النظامية، مثل “قسد” في شمال شرق سوريا، و”هيئة تحرير الشام”، وفصائل ما يسمى “الجيش الوطني” في شمال غرب سوريا، هل يمكن من الناحية العسكرية والعقائدية أن تندمج هذه القوى في حال وجد حلّ سياسي للمسألة السورية، أم أن هذه القوى، أو بعضها، لا يمكن دمجه في مؤسسة وطنية مستقبلية؟

– إن قوى الأمر الواقع في هذه المناطق تخضع لسلطات وقوى دولية، وليس لها أي قدرة على اتخاذ أي قرار بمعزل عن تلك الدول، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، هناك فوارق كبيرة في العقائد والتفكير والتنظيم والتبعية، فلا يمكن الاستفادة منها في دمجها كمجموعات في القوات الوطنية السورية، خصوصاً أن معظمها ارتكب جرائم،  وارتبط مع الدول على حساب الوطنية السورية.

 أنا أرى أن يتمّ قبولهم كأفراد فقط، بعد دراسة ملفاتهم وسلوكياتهم السابقة، وإعادة تأهيلهم وطنياً، بعد محاسبة وإبعاد كل من ارتكب جرائم بحق الشعب السوري. قد يتمّ التوافق على دمجهم في بداية الأمر، ليس بوصفهم فصائل، بما هي عليه الآن،  وذلك خدمة للحلّ السياسي.

وينبغي أن نأخذ بالحسبان، أن كامل القوات المسلحة السورية هي بحاجة ماسّة لإعادة هيكلة وتأهيل وتنظيم وتسليح، ووضع عقيدة جديدة، تتوافق مع مشروع الحلّ السياسي، خصوصاً بما يتعلق بنسب تواجد الضباط وصف الضباط في المؤسسات الأمنية والعسكرية، لأن أكثر من 90% هم من طائفة واحدة، ولا يمكن الإبقاء على هذا الخلل ومخاطره،  في بناء دولة المواطنة في سوريا، ومن دون تغيير هذه النسبة وتوازنها ضمن المؤسستين العسكرية والأمنية، لا يمكن حلّ القضية السورية.

 س: هناك حديث اليوم عن إمكانية توغّل بري عسكري إسرائيلي في سوريا، هل هذا متوقع برأيك، وفي حال حصل، كيف سيتعامل الجيش السوري معه؟

– نعم حاليا المنطقة مهيأة لحرب إقليمية كبيرة، ولا أحد يستطيع أن يحدّد مسار هذه الحرب، والى اين ستصل، وهل ستكون سوريا جزءاً منها، علماً أن إرهاصاتها قائمة، لكن النظام  يلتزم الصمت حيالها، علما أن سوريا يعتدى عليها بشكل شبه يومي، لكن النظام لم يعد يعبر عن انتمائه لما يسمى “حور المقامة، وكان سابقاً  يعتبر نفسه المحرك الأساسي فيه، وهناك أجزاء محتلة من الأرض (الجولان)، هذا الصمت المطبق ليس له إلا مبرر واحد، وهو أن النظام يخشى على نفسه من الزوال فقط، ولا يهمه ما يحدث من هدر كرامة وسيادة للبلد والجيش والدولة، وهو يرى كيف يتم تدمير حليفه “حزب الله”، الذي دعمه كي لا يسقط، طوال السنوات الماضية، وأعتقد أن التهديدات الإسرائيلية، وصلت للنظام من أطراف عديدة، بما فيها روسيا. أما ما يخصّ احتمال التوغل الإسرائيلي في سوريا، فهذا أمر وارد،  ومرتبط بتطور هذه الحرب ومجرياتها، ولا اعتقد أن لدى النظام والجيش القدرة على المواجهة، وليس بإمكانه أن يصمد أمام أي هجمة إسرائيلية حتى لو كانت محدودة، وباعتقادي أن إسرائيل لا تريد تغيير هذا النظام، وإن حصل، فمعنى ذلك أن إسرائيل تسعى إلى تغيير المنطقة برمتها.   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق