التنمية الماليزية وسوريا…دروس وعبر
د. رفعت عامر
ذُكر أن مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابق، عندما أنهى دراسته الجامعية في سوريا عام 1952، قال حينها جملة مشهورة قبل مغادرته، أنني عائد الى بلدي ماليزيا حاملاً حلماً أن تصبح بلدي شبيهة بسوريا، وقصد بذلك، التجربة السياسية الليبرالية الوليدة والمتميزة في سوريا، والنمو الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الصناعة آنذاك.
تعدّ ماليزيا بلدا متعدد الأقوام والأعراق والثقافات واللغات، غالبية سكانها يعتنقون الدين الإسلامي، بالإضافة إلى ثمانية عشرة طائفة أخرى، وثمان وخمسين مجموعة عرقية. عاشت شعوبها مخاضاً طويلاً من الصراعات الأهلية والمحلية والاضطرابات العرقية الدامية حتى أواخر الستينيات من القرن الماضي. وكان القسم الأكبر من السكان يعيش في الغابات، وعملوا في زراعة المطاط والموز والأناناس وصيد الأسماك، بمتوسط دخل سنوي أقل من 1000 دولار للفرد حتى عام 1981.
ماليزيا وسوريا دولتان متقاربتان من حيث تعداد السكان، ولكنهما مختلفتان في وجوه كثيرة، كانت لمصلحة سوريا على الدوام قبل سلطة البعث، عندما أخذت التحولات في سوريا تنحو في مسار اقتصادي وسياسي أخرعن الفترة السابقة له. وفي حين بدأت ماليزيا تتقدم، أخذت سوريا منحناً تقهقرياً، خصوصاً ما بعد عام 2011، عندما تبنى النظام ومعه القوى التكفيرية سياسات ممنهجة في تدمير سوريا بشراً وحجراً، بتاريخها وحاضرها ومستقبلها.
وبالعودة الي مهاتير محمد الذي تحوّل حلمه عن سوريا الى واقع في ماليزيا، أصبح حلم السوريين بعد مرور أكثر من سبعين عاماً، ان تصبح سوريا نموذجاً في التنمية شبيهة بماليزيا.
ماليزيا التي كانت من أفقر الدول وأكثرها تخلفاً، تحولت خلال ثلاثة عقود فقط إلى دولة تحتل الترتيب 34 عالمياً من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي، الذي قدر بحوالي 400 مليار دولار عام 2023، أي حوالي 7 أضعاف الناتج المحلي لسوريا لعام 2010 وحوالي 25 ضعفاً لعام 2023، وبنمو متوسط للناتج المحلي 6% سنوياً، بينما هو أقل من 4% عام 2010 في سوريا، وسالب في السنوات العشرة الاخيرة، بمتوسط نصيب الفرد من الدخل في ماليزيا 11690 دولار، وفي سوريا أقل من 1000 دولار، ويساوي تقريباً ما كان عليه متوسط الدخل في ماليزيا في عام 1970.
احتلت ماليزيا عام 2004 المرتبة 18عالميا من حيث حجم الصادرات، التي بلغت حصتها حوالي 127 مليار دولار، والأولى على مستوى العالم الإسلامي، متجاوزة بذلك حجم صادرات السعودية، البلد الأغنى في العالم العربي بما فيها صادراتها من النفط. لم يتجاوز معدل التضخم في ماليزيا 1.9% ، بينما هو في سوريا 12%لعام 2010، و50% لعام 2023.كما احتلت ماليزيا بمؤشر التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المرتبة 63 لعام 2007، بينما شغلت سوريا المرتبة 119 في ذلك العام، ويعيش 5% من سكان ماليزيا تحت خطّ الفقر، بينما وصلت النسبة في سوريا إلى 40% قبل الثورة و90% لعام 2023.وبينما كانت ماليزيا ترضخ تحت نير الاستغلال والاستعمار في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت سوريا تتباهي بتصدير منتوجاتها الصناعية من النسيج والجوخ والقطن إلى إنكلترا وفرنسا. هذه هي بعض الأرقام التي صورت الواقع وقدمت صورة عن تقدم ماليزيا وتراجع سوريا.
لماذا تقدمت ماليزيا وتأخرت سوريا؟ موضوع في غاية الأهمية وتجربة مفيدة للسوريين لاستخلاص الدروس والعبر، سنذكر أهم تلك العوامل التي كانت أساساً في تحقيق القفزة التنموية الماليزية في مقال آخر.