الإخوان المسلمون ينحرون “الجولاني” على مذبح الوصول للسلطة
حسام ميرو
بعد مجيء “هيئة تحرير الشام” السلفية الجهادية إلى الحكم في سوريا، قد يظهر للوهلة الأولى أن “الإخوان المسمون” وكأنهم “فص ملح وذاب”، فهم لا يصدرون أية بيانات حول الأوضاع الحالية بكل ما فيها من سخونة، وربما يعتقد كثيرون أنهم في صفّ السلطة الجديدة، وداعمون لها، انطلاقاً من فكرة مبسّطة عن وجود مرجعية مشتركة لدى الطرفين، على الرغم من اختلافهما في الكثير من المناحي العقدية.
التقيت بقيادات الإخوان في مراحل عدة بعد عام 2011، وكان اللقاء الأول من خلال مؤتمر “البحر الميت”، الذي عقد على مدار يومي 18 و19 أبريل/ نيسان 2012، وضم عدداً من قوى وشخصيات من المعارضة السورية في العقبة بالأردن، بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية.
في مساء 19 أبريل، قضيت أكثر من ساعتين مع علي صدر الدين البيانوني المراقب العام السابق للجماعة، ودار الحديث حول أحداث حماة 1982، والعلاقة بين “الطليعة المقاتلة” التي كان يقودها مروان حديد، وبين التنظيم، وما حقيقة تمويل العراق لكوادر من الإخوان وتمويلهم بالمال والسلاح، وأنكر البيانوني يومها أي صلة من هذا النوع مع العراق، كما قال بوجود خلافات بين التنظيم والطليعة المقاتلة، وأن القيادة السياسية للتنظيم لم تكن موافقة على عمليات الجناح العسكري.
في اللقاء الذي أجراه غسان شربل، رئيس تحرير جريدة “الشرق الأوسط” مع سالم الجميلي، الذي شغل مناصب قيادية استخباراتية عليا في عهد صدام حسين، يؤكد الرجل أن العراق أقام معسكرات تدريب للإخوان السوريين في العراق بطلب منهم، وليس مهماً هنا فقط إنكار البيانوني لهذه العلاقة، بل ما مهم أكثر هو إدراك وجود عدد من الطبقات في نسق عمل الإخوان المسلمين، والذي سيظهر بشكل جلي لاحقاً خلال سنوات “الثورة والحرب”.
اعتمد الإخوان المسلمون على نمط متعدّد في إدارة وجودهم السياسي والإداري، تنوّع بين القيادة من الخلف، معتمدين على شخصيات معتدلة، كما في حالة دعم وصول برهان غليون إلى رئاسة المجلس الوطني، وبين إدارة مباشرة في المجالس المحلية للمدن، كما في مجلس محافظة مدينة حلب الحرة، وكذلك دعم فصائل عسكرية غير محسوبة بشكل مباشر عليهم.
كانت صدمة الإخوان المصريين الكبرى، عندما أزيح الرئيس المصري السابق محممد مرسي من الحكم، وقد التقيت في صيف 2013، أي بعد سقوط مرسي مباشرة، بالمراقب الجديد يومها رياض الشقفة، في مكتبه باسطنبول، وقد حاول الرجل قدر الإمكان التخفيف من وقع الصدمة على المسار السوري، وقد اقترحت عليه يومها أن يطلب من الفصائل التابعة لهم إصدار بيان يؤكد التزامها بالديمقراطية، التي وافقت عليها القيادة السياسية، وقد أنكر يومها أية علاقة مباشرة مع الفصائل المسلحة، وزاد على ذلك، بأن المعركة “الآن معركة إسقاط النظام وليست معركة الديمقراطية”.
فشل الإخوان في تونس ومصر، وإقصائهما من السلطة، كان درساً مهماً للإخوان في سوريا، وقد تعلموا من هذا الدرس أن الوجود في رأس أي سلطة جديدة بعد سقوط الأنظمة القديمة هو انتحار سياسي، لأسباب عديدة، وأن التركة الثقيلة وما تنطوي عليه من أزمات وطنية ومؤسساتية واقتصادية وعلاقات خارجية، يجعل الفشل هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، وبالتالي، فإن المصلحة تقتضي وصول جهة أخرى، لتكون كبش الفداء على مذبح الوصول إلى السلطة.
منذ وصول الجولاني إلى الحكم، يقوم تكتيك الإخوان على ما يمكن أن نسميه النسق التكتيكي الهجين:
1- تسعير الخطاب الطائفي الداخلي، عبر ماكينة إعلامية ضخمة، وخبرات متراكمة لديهم لسنوات، من أجل القيام بفرز واستقطاب طائفي شديدين.
2-إبراز قوة ما يسمى “الشارع السني”، ليتم استغلالها لاحقاً.
3-عدم الدفاع المباشر عن جرائم السلطة السلفية، وعدم قدرتها على معالجة ملفات الأزمة الوطنية.
4-العودة للعمل المباشر في الداخل، من خلال إعادة بناء الشبكات التنظيمية المموّلة بموارد ضخمة.
5-إعادة بناء شبكات الخارج، التي تبدو الآن داعمة للسلطة السلفية، لكنها في الواقع ممسوكة كلياً من قبل الإخوان، إذ لا توجد شخصيات وخبرات سلفية يعتدّ بها كثيراً في الخارج.
يدرك الإخوان المسلمون أن حجم الممانعة الإقليمية والدولية لمشروع تمكين سلطة سلفية جهادية في سوريا كبير جداً، وأن “هيئة تحرير الشام” هي مرحلة فاصلة بين مرحلتين، وأن حكمها مرهون بإنضاج توافقات إقليمية ودولية جاري العمل على إنضاجها، وأن الجولاني ورفاقه هم كبش الفداء المقبل، لذلك، آثروا العمل وبناء الشبكات، من دون أن يكونوا في قيادة السلطة الحالية، تمهيداً لأن يكونوا ممثلي “الشارع السني” الذي يعملون على بلورته.
أما الراعي التركي للإخوان والسلفيين الجهاديين في الوقت نفسه، فهو يدرك بأن استقرار نظام سياسي في سوريا موالٍ له، ينبغي أن يحظى بمستوى من القبول الإقليمي والدولي، وهو ما لم يمكن أن يتوفر مع السلطة الحالية، لكن إنهاء ملف الجهاديين، تريد تركيا أن تقبض ثمنه، عبر عملية تفاوض على الحصة المستقبلية من سوريا، وما يتوافر من معلومات حتى اللحظة أن تركيا لا مانع لديها من المشاركة في إنهاء سلطة الجولاني ومعالجة ملف المقاتلين الأجانب. تحقيق مصالح تركيا الاستراتيجية، الأمنية والاقتصادية، تقف في وجهها عقبات عديدة، لكنها تجد أن عملية التفاوض تحتاج، من ضمن ما تحتاجه، إلى امتلاكها أوراق قوية، ومن بينها وجود تنظيم قادر على التمثيل الشعبي، أي الإخوان المسلمين، الذي يمكن أن يعيد بناء النظام السياسي الجديد، وإلى جانبه وجوه وكيانات ليبرالية، مقبولة من عموم السوريين، وهي ستحاول إقناع إسرائيل ودول الخليج العربي بأن الإخوان تخلّوا عن مشروعهم العابر للأوطان، وبأنهم سيكونون مجرد حزب سياسي سوري.