أخبار سورية

تشكّلن نسبة 80% من سوق العمل

النساء السوريات في مواجهة آثار الحرب وتعميم الفقر

سائقة تكسي في دمشق

مجد إبراهيم – حدْس:

بقامة قصيرة وجسم هزيل، تقف امرأة خمسينية بجوار باصات النقل العام، في مدينة طرطوس،  منادية جموع الناس المسرعة نحو مقاصدها :

واحد كراج ، واحد مشفى، .. وعند امتلاء الباص بالركاب عن أخره، تحصل مقابل خدمتها هذه على أجر معلوم من سائق الباص (بقشيش) .

و شابة في العقد الثالث من العمر تقود دراجة آلية وسط زحام مدينة دمشق (تكسي موتور)،  تلبي طلبات توصيل للنساء فقط .

وأخرى لم تبلغ عقدها الثاني بعد، تقف على حافة رصيف، خلف منضدة صغيرة، تبيع عليها علب السجائر.

مظاهر عمل النساء السوريات اليوم متنوّعة، خصوصاً في المدن الموجودة تحت إدارة سلطة الأمر الواقع في دمشق، فهنّ موجودات في الكثير من المهن، التي كانت قبل عام 2011 حكراً على الذكور، من أعمال البيع للسلع المتنوعة في البسطات المنتشرة بكثرة فوق الأرصفة (بيع الخضار والفواكه، الألبسة، علب السجائر، وغيرها)، أو في أعمال تنظيف الشوارع، حيث يعملن بعقود مؤقتة مع البلديات، وقد استقطبت هذه المهنة “عامل النظافة” الآلاف من النساء، خصوصاً في العاصمة دمشق، بالإضافة إلى العمل كنادلات في المطاعم والكافيتريات.

إحصاءات محلية دولية

من المظاهر الرئيسية التي رصدتها تقارير الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية،  خلال السنوات التي تلت تحوّل الثورة في سوريا إلى حرب أهلية، كانت ظاهرة ازدباد حضور المرأة السورية في سوق العمل، إثر جملة من التحوّلات التي أصابت مجمل البنى اللسورية، وفي مقدمتها بنية المجتمع السوري، حيث جاء عمل المرأة، لسدّ فجوة النقص في اليد العاملة، بعد أن استقطبت الحرب، أو أجبرت، الشباب على الانخراط في القتال على الجبهات.

وأكّد تقرير صادر عن المركز السوري للدراسات، أن معدل عمر الذكور المتوقّع، انخفض تدريجياً من 2011 ولغاية 2015، من 70 إلى 48 عاماً، وأن “الانخفاض الأشّد طال الفئة العمرية بين 15 و24 عاماً”، ووفق الأمم المتحدة فإن هذا الوضع، جعل النساء السوريات مصدر رزق العائلة السورية.

تراجع عدد الرجال في المجتمع السوري، كسر معادلة العمل التقليدية، التي كانت لمصلحة الذكور قبل الثورة والحرب، ووفق تقرير المرصد الاقتصادي السوري الصادر عن البتك الدولي، فإن مشاركة الإناث في سوق العمل السورية، تضاعفت من 13% في عام 2010، إلى 26% في عام 2023، أي أن أكثر من ربع النساء السوريات اليوم منخرطات في سوق العمل.

نساء في معمل إعادة تدوير كرتون في منطقة الأتارب (المصدر أخبار تلفزيون الآن)

7 نساء مقابل رجل في سوق العمل

في مطلع العام الماضي 2023، كشف تصريح رسمي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة لحكومة النظام، أنه مقابل كل رجل في سوق العمل السورية، توجد 7 نساء عاملات، ما يعني أن عمالة النساء في سوريا، تبلغ أكثر من 80% من إجمالي العمالة، لكن هذه القفزة الكبيرة في نسبة النساء العاملات، لا تجد ما يقابلها لجهة تحسين أوضاع المرأة، وهو الأمر الذي يفترض أن يحصل نظرياً، لكن من التاحية الواقعية، فإن هذا التحوّل السريع في دخول سوق العمل، أتى كنتيجة للتحوّلات الكارثية التي أصابت مجمل البنى السورية.

متوسط الدخل الشهري للنساء العاملات في مؤسسات “الدولة السورية” لا يتجاوز 20 دولاراً أمريكياً، حوالي 270 ألف ليرة سورية، وقد يكون الحال أفضل قليلاً في القطاع الخاص، أو  المهن الفردية، لكن نسبة التضخم في السوق السورية التي بلغت حوالي 800% مع نهاية العام الماضي، والانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية، يجعلان من الأجر الذي يتقاضاه العاملون، رجالاً ونساءً، يكاد لا يصل إلى خطّ الفقر، المحدّد على أساس 3.65 دولار للفرد الواحد، أي 110 دولارات شهرياً.

وهذا الوضع، تؤكّده  إحدى الفتيات النازحات من حلب إلى محافظة اللاذقية، حيث تقول:  “إن وضع عائلتها الاقتصادي لم يعد كما كان في السابق، ووالدها أصبح بشق الأنفس يستطيع عند آخر كل شهر تأمين  آجار المنزل، ولذا وجدت نفسها مضطرة رغماً عنها لترك دراستها، و العمل لدى إحدى الفنادق في خدمة الغرف بدوام طويل، وراتب ضئيل لايتعدى ال 200 ألف ليرة”.  

تعميم الفقر وزيادة الأعباء على كاهل النساء

في 14 يونيو/ حزيران 2023، ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن 90% من السوريين يعيشون تحت خطّ الفقر، وأن حوالي 15 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأوضح فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط في المنظمة، أن “على المجتمع الدولي أن يواجه الحقيقة الصعبة التي تؤكد أن الوضع في سوريا لا يُحتمل”.

وإذا كان الملايين من السوريين، يعيشون اليوم كلاجئين في دول الجوار والعالم، فإن من يعيشون داخل سوريا، يعانون أوضاعاً تكاد نكون متشابهة، حيث فقدَ قسم كبير من العائلات ضحايا من الذكور على جبهات القتال، بالإضافة إلى قضاء سنوات خدمة علم طويلة في الجيش النظامي (خدمة إجبارية واحتياطية)، وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من سبع سنوات، بالإضافة إلى هرب الذكور من الحرب، إلى خارج البلاد، أو اعتقال عشرات الآلاف منهم،  وقد انعكست هذه الظواهر بشكل مباشر على النساء، حيث أصبح قسم كبير منهن في مقام المعيل الوحيد للعائلة، بعد وفاة الأب أو الزوج أو الأخ، أو إصابة أحدهم بإعاقة تمنعه من العمل،  في الوقت الذي ازدادت فيه الأعباء الاقتصادية والمعيشية إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ سوريا المعاصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق