تفاقم أزمة المشتقّات النفطية في سوريا
تزامناً مع احتدام الصراع الإيراني الإسرائيلي

“حدْس”- مجد إبراهيم:
على وقع الحرب الاسرائيلية على لبنان منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، وقصفها المعابر البرية السورية اللبنانية، والحديث عن فرض حصار بحري، و ارتفاع أسعار النفط عالمياً جراء الحرب في المنطقة، و الخوف من أن تتحول لاحقاً إلى حرب شاملة، شهدت سوريا أزمة مشتقات نفطية، تمضي من سيء إلى أسوء، تاركة تأثيرها المباشر على جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.
انشغال إيران والعقوبات الأمريكية الجديدة
في ظل عدم وجود تصريحات رسمية من حكومة النظام السوري، تشرح فيه حقيقة مايجري، عزت مصادر مختلفة السبب إلى عدم وصول المشتقات النفطية من لبنان إلى سوريا، والتي كانت تدخل أليها عادة عبر المعابر الشرعية و غير الشرعية، وتباع في السوق السوداء، في حين أن هناك من عزا ذلك إلى زيادة الطلب على المواصلات في سوريا، بسبب زيادة أعداد العائدين والنازحين من لبنان.
لكن هذا النقص في المشتقات النفطية، مرتبط بشكل أساسي بالأوضاع المحتدمة بين إيران وإسرائيل، حيث تأخرت شحنات الإمداد الإيراني بالمشتقات النفطية، وذلك، بحسب مصادر عدة، يعود إلى سببين رئيسيين:
1- السبب الأول هو العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، على أكثر من 12 كياناً وسفينة، بسبب ضلوعها في شحن النفط الخام وغاز النفط المسال الإيراني إلى سوريا وغيرها، ما أحدث إرباكاً لحركة الناقلات إلى سوريا، وكانت آخر شحنة وصلت إلى البلاد في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي.
2- السبب الثاني هو الأوضاع غير الاعتيادية التي تعيشها المنطقة، على وقع الحرب الإسرائيلية على لبنان، حيث يتركز اهتمام طهران بالدرجة الأولى على التصعيد المتبادل مع إسرائيل.
ومع أنقطاع وصول المشتقات النفطية وشحّها في سوريا، فقد شهدت أسعار المحروقات في السوق السوداء ارتفاعاً كبيراً في مناطق سيطرة النظام، تسببت في حصول أزمات عدة في عدد من القطاعات الحيوية، مع ارتفاع في تكاليف الإنتاج والنقل، ما انعكس بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات وعلى حياة المواطنين بشكل عام.
شبه شلل في قطاع النقل
أدت أزمة المحروقات في مناطق سيطرة النظام، والتي تفاقمت إلى حدّ غير مسبوق، إلى تقليص المخصصات الحكومية من مادتي البنزين والمازوت للقطاعين العام والخاص، ما أدى إلى شلل النقل العام في معظم المحافظات والمدن الكبرى، ودفع بالطلاب والموظفين إلى التغيب عن جامعاتهم وأعمالهم ووظائفهم، لعدم قدرتهم على دفع تكاليف تنقلهم عبر سيارات الأجرة التي ضاعفت من أجورها في الآونة الأخيرة.
في دمشق وريفها، تفاقمت ازمة النقل بسبب ارتفاع أسعار البنزين الحر، ونقص الوقود، حيث تراوحت أسعار البنزين الحر بين 24 و28 ألف ليرة سورية، مقارنة بـ 16 و18 ألف ليرة سابقاً. وأرجع عدد من أصحاب سيارات الأجرة رفع الأسعار إلى الزيادة الحادة في سعر البنزين الحر، مؤكدين أنهم يحاولون التخفيف عن الزبائن، من خلال تقاسم الأجرة بين أربعة ركاب، لتقليل الكلفة على كل فرد.
وفي مدينة حلب، تفاقمت أزمة المواصلات فيها بعد قرار تقليص عدد رحلات النقل الخارجي، وتخفيض كميات المازوت المخصصة للنقل الداخلي، ما أدى إلى زيادة معاناة الأهالي في التنقل بين أحياء المدينة والقرى المحيطة بها. و رغم الوعود الحكومية المتكررة، مازالت تعاني جميع خطوط النقل ازدحاماً شديداً، خصوصاً في ساعات الذروة، كما اضطرت بعض شركات النقل الخاصة إلى إلغاء رحلاتها بين المحافظات، لعدم حصولها على كامل مخصصاتها من المحروقات.
أرتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه
وكان رئيس لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه محمد العقاد، قد صرّح للإعلام المحلي، بأن أزمة المحروقات أدت إلى رفع أجور نقل الخضار والفواكه من المحافظات المنتجة إلى سوق الهال بدمشق، بنسبة تقارب 100%، ما أدى إلى زيادة أسعار مختلف الخضار والفواكه.
كما أكد رئيس لجنة سوق الهال في اللاذقية معين الجهني، أن تأثر سوق الخضار في المحافظة هو نتيجة عدم توفر المحروقات، وخصوصاً المازوت بالشكل الطبيعي لسيارات الأجرة بين المحافظات وضمن اللاذقية، مبيناً أن حركة السوق حالياً تراجعت بين 30 إلى 40 بالمئة، مقارنة بالفترة الماضية مع أرتفاع في أسعار الخضار بنسبة 10%.
أزمة في القطاع الزراعي
وشهد قطاع الزراعة المتراجع أصلاً، عدداً من المعوقات على وقع أزمة المحروقات الجديدة، حيث قدم فلاحو محافظة طرطوس شكاوى متكررة للجهات المعنية، حول عدم توزيع مادة المازوت الزراعي عليهم، وفق المخصّصات المقرّة سابقاً، من إجل أعمال السقاية و الفلاحة والنقل .. إلخ وحتى الآن ما من مجيب لمطالبهم.
حيث قال عضو المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات في المحافظة جورج حنا إن الكميات الواردة من المازوت غير كافية للاحتياج الكلي في المحافظة.
وفي حماة أيضاً تراجعت زراعة التبغ، والسبب كما أوضح المزارعون أن المازوت كان يجب أن يوزع عليهم في شهر أبريل/ نيسان الماضي، من أجل الفلاحة والري، ولكن هذا لم يحصل.
بينما أشار الكثير من أصحاب معاصر الزيتون في محافظة السويداء إلى أن عمليات عصر الزيتون لهذا العام تأخرت، نتيجة عدم تزويد المعاصر السبع في المحافظة بمادة المازوت، مؤكدين أن التأخير في تأمين المادة لزوم تشغيل معاصرهم سيؤدي إلى التأخير في البدء بعمليات العصر، وسينعكس على جودة مادة زيت الزيتون، وبالتالي على الأسعار.
نقص في مازوت التدفئة
مازالت خطوات توزيع مادة مازوت التدفئة في عدد من المحافظات السورية في حدودها الدنيا، ففي السويداء مازالت عمليات التوزيع محدودة، بسبب قلّة الكميات الموردة للمحافظة، والتي لا تتجاوز6 طلبات يومياً، وخصّص طلب واحد منها فقط للتدفئة، والمتبقية توزّع على الأفران والنقل والمياه والصحة والخدمات.
حيث وصل عدد البطاقات الأسرية التي حصلت على مخصصاتها من الدفعة الأولى والبالغة 50 ليتراً إلى 2400 بطاقة من أصل 144 ألف بطاقة أسرية على مساحة المحافظة، مع الاعتراف بشكل واضح أنه حتى نهاية العام الحالي، لن يستطيع فرع المحروقات من تغطية 25 % من المجموع العام لعدد البطاقات.
أما في ريف دمشق أرتفعت أسعار المازوت في السوق السوداء، ليصل إلى 18 ألف ليرة لليتر الواحد، حيث بين المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات أن حاجة المحافظة من مادة المازوت لهذا الشتاء من أجل تغطية الدفعة الأولى من مخصصات المستهلكين تبلغ نحو 40 مليون ليتراً، في حين أن عدد البطاقات المستحقة وصل إلى حوالى 800 ألف بطاقة ذكية.
تضرّر الإنتاج وزيادة أسعار السلع
في تصريح للإعلام المحلي، أكد رئيس اتحاد الحرفيين في اللاذقية جهاد برو، تأثر العديد من أصحاب المهن الحرفية بنقص المازوت وارتفاع سعره، وسعر المحروقات بشكل عام، في السوق السوداء، مبيناً أن ارتفاع التكاليف يعني ارتفاعاً في أسعار المنتجات، حيث أرتفع سعر غالون المازوت سعة 20 ليتراً من 300 ألف ليرة إلى 400 ألف ليرة.
وبالتزامن مع أزمة المحروقات، رفعت الحكومة الجديدة في أولى جلساتها بداية هذا الشهر، أسعار المشتقات النفطية، حيث أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً ، رفع بموجبه سعر ليتر المازوت المدعوم للتدفئة من 2000 إلى 5000 ليرة.
ووفق النشرة الجديدة الصادرة عن الوزارة، ارتفع سعر ليتر البنزين أوكتان (90) إلى 10,966 ليرة، كما ارتفع سعر ليتر البنزين أوكتان (95) إلى 12,573 ليرة، وصعد سعر ليتر المازوت الحر ليصل إلى 11,183 ليرة.