العلمانية
نحن بحاجة إلى التقدّم، كأفراد ومجموعات، ولأننا نعيش في التاريخ فإن سياق التقدّم المنشود ليس مفصولاً عن سياق التقدّم التاريخي، بل هو جزء من سيرورة ذلك التقدّم، فذلك يقتضي فهم أسباب التقدّم، والأخذ بها، فهذا ما يقوله العقل، وهذا ما تقتضيه الحاجات الموضوعية، في إطار النشاط الإنساني العام، ومن ضمنه النشاط المرتبط بعلاقة الأفراد بالدولة، وعلاقة الدولة بأفرادها وجماعاتها.
ولأن التقدّم لا يحدث خارج إطار الدولة، فإن مرجعية الدولة تصبح محددة للعلاقات الاجتماعية في شكلها العمومي، كما تحدد فضاء الحرية، وترسم حدوده.
ولأن الغاية هي التقدّم، فإن العلمانية تصبح ضرورة لا غنى عنها للدولة، لأنها تسمح للعقد الاجتماعي أن يتشكّل من دون تأثير للمرجعيات الدينية، من دون إلغاء تلك المرجعيات على المستوى الخاص في حياة الأفراد، لكن العلمانية تمنع من تحوّل المرجعيات الدينية إلى سلطة فوق سلطة العقد الاجتماعي والدستور والقوانين الناظمة لحياة المواطنين.
مفهوم “العلمانية” هو مفهوم حديث نسبياً، لكنه في سياق تبلوره التاريخي أتى كتكثيف لعلاقة ثلاثة مفاهيم مرتبطة ببعضها البعض عضوياً، ولا مجال للفصل فيما بينها، وهي: العقلانية، والحداثة، والكونية.
الظواهر الاجتماعية والطبيعية من منظور علماني هي ظواهر قابلة للفهم بالعقل، كما أن فضاء الحريات في الدولة الحديثة يستند في الأساس إلى حرية الأفراد، وهو ما ولّد منظومات حقوقية جديدة لم تعرفها الدول القديمة أو القروسطية، وبالتالي فإن هذه المنظومات هي منظومات حداثية، تنتمي إلى عالم جديد، هو عالم ينظر إلى الأفراد بوصفهم متساوي الحقوق، ينتمون إلى دولة تأخذ شرعيتها من التوافق بين أفرادها، وقدرتها على تلبية احتياجاتهم.
اما الكونية فهي تأكيد على أن المعرفة ملك كوني/ عالمي، وينبغي عدم وضع القيود أمام انتشارها أو استثمارها بحجة الخصوصيات، مثل خصوصية الشرق/ الغرب، أو العالم المسيحي والعالم الإسلامي، والرجل الأبيض والرجل الأسود، وغيرها من الخصوصيات الزائفة، والتي تحمل بعداً استعلائياً.
إن تبني الحزب الدستوري السوري (حدْس) للعلمانية كأحد الأقانيم الخمسة التي يناضل من أجلها هو تأكيد على التزام حزبي/ سياسي، لكنه معرفي بالدرجة الأولى، ووطني في مآلاته، بضرورة العمل من أجل التقدّم، غايته الإنسان، وعالمه المادي المباشر، وتقدّم الوطن السوري، وتجاوز المشكلات النابعة من استعلاء أو دونية تفرضهما الخصوصية الدينية أو المذهبية.
إن التزام النضال من أجل دولة علمانية هو التزام بمبادى العقلانية والحداثة والكونية، وكل ما تفرضه هذه المبادئ الثلاثة من حقوق وواجبات، في ظل دولة حيادية تجاه مكوناتها من أفراد وجماعات.
إن تحقيق التقدّم لا يمكن أن يحدث من دون وسائل مادية، وهذه الوسائل هي من صنع البشر، وخاضعة لإعمال العقل والمعرفة، ولا دخل للدين بها من قريب أو بعيد، كما أن السياسة بوصفها نشاطاً اجتماعياً فهي خاضعة للوجود الاجتماعي المادي المتحوّل، ولا يمكن ربطها بنصّ ثابت أكان دينياً أو غير ديني.
وفي مسألة الحقوق فإن العلمانية تجعل من النشاط البشري وما يكرّسه من قوانين هو المرجعية لكلّ حق، ويعطي بالتالي للمنظمات المجتمعية من أحزاب ونقابات واتحادات ومؤسسات مجتمع مدني القدرة على العمل على تطوير حقوق الأفراد والجماعات.
وثمة نقطة رئيسية تؤكد عليها العلمانية، وهي المساواة بين الجنسين، باعتبار أنهما مشاركان في عملية التقدّم، ومن حقهما التمتع المتساوي بنتائجه، في إطار دولة حيادية، تنظر إلى الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه.