دراسات

المحروقات في سوريا ..مؤشرات تنذر بالانفجار.. جذور ضاربة في صفقات مشبوهة!!

دراسة بقلم محمد مصطفى عيد / نشرها موقع مركزليفانت للبحوث والدراسات

مقدمة:

أن نضع الأصبع أمام العين، وننساق وراء التصريحات الرسمية للسطات السورية، عن حلول مقبلة  لأزمة حوامل الطاقة  لديها، فإن هذا الكلام  كمن يضع العربة أمام الحصان، ويبتعد عن حقيقة الوضع المذري لأزمة، عاشتها وتعيشها سوريا، منذ عقود سابقة، مع الاختلاف  في حالة التعويم لشكل  أزماتها المتلاحقة، إلا أن  المضمون، يبقى  ذاته، وهو اللعب على حاجة الشعب  السوري، فموضوع مشتقات النفط السوري، دائما رافقه، الكثير من إشارات الاستفهام، التي لم تكن مفهومة وواضحة، فالمسألة لا يمكن حصرها بفترة زمنية محددة، أي منذ بدايات الأزمة السورية في عام 2011 ، بل الأمر كما أشرنا سابقا، يمتد لعقود، تم احتكار فيها المشتقات النفطية  من قبل  السلطات المتنفذة في البلاد، ومحاولة الأخيرة في تغييب  الأرقام الحقيقة، عن بنود الموازنات  العامة للحكومات السورية المتلاحقة، إذا نحن أمام مشكلة بنيوية، متأصلة وجذورها ضاربة في صفقات مشبوهة و تفاصيل معقدة، في قطاع الصناعات الاستخراجية، وهذا القطاع الاقتصادي الحيوي طبعاً،  لم  يكن  خارجا عن  سرب باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى المتأزمة أيضا، لأن اللوحة العامة للمشهد الاقتصادي السوري ظلت قاتمة، ولم تكن واضحة المعالم، حتى  في أيام، ما يسمى بالانتعاش الاقتصادي والخطط الخمسية المتلاحقة، وتالياً فإن تاريخ أزمة المحروقات في سوريا، مرّ بسيناريوهات  متنوعة، كان أغلبها يعتمد على الحلول الترقيعية والارتجال، بعيدا عن أي حلول تقترب من حقيقة الواقع، وبما يتناسب مع احتياجات الشعب السوري، لذلك الحديث عن أسباب الأزمة، يكون من الظلم، إذا تم تناولها خلال الفترة الأخيرة من عمر الأزمة، لأن أي مشكلة لها مقدمات وأسباب ونتائج، حتى نصل  إلى المشهد الحقيقي لجذور أزمة الوقود في سورية، وانعكاساتها وآثارها على الشعب السوري وعلى النظام نفسه،  لذلك لا بد من استعراض لأبرز السيناريوهات المتوقعة لهذه الأزمة.

مقدمات الأزمة

على الرغم من  أن سوريا  لا تعتبر من الدول التي تمتلك احتياطات كبيرة من  النفط الخام، أسوة بدول المصدرة للنفط، إلا أن الكميات التي أعلن عن إنتاجها قبل عام 2010 ، من قبل السلطات الرسمية تجاوزت 400 ألف برميل يومياً، كانت تصدر منها 150 ألف برميل يومياً، ورغم ذلك الوضع السابق ، فإن أزمة الوقود كانت  تطلُّ برأسها في معظم المحافظات السورية، ولم تبتعد عن حديث الشارع، بينما التصريحات الرسمية، كانت تضع مبرراتها الدائمة في   إطار ارتفاع كلفة فاتورة دعم المحروقات واستنزاف  أموال الخزينة العامة ، حين  قدرتها وزارة المالية في عام 2008  وعلى لسان وزيرها الأسبق الدكتور محمد الحسين أن  تكلفة فاتورة سورية من المازوت تتجاوز الـ 300 مليار ليرة، لذلك كانت تطرح في تلك الفترة، العديد من السيناريوهات  التي تحدد آلية العمل بها وخاصة  عند الإعلان عن  كل  رفع  لأسعار المشتقات النفطية، وتخصيص الأسر السورية  بكميات محددة من مادة المازوت بأسعار مدعومة، على أمل أن الهدف من هذه الإجراءات التي تتخذها السلطات السورية في تلك الفترة، بحسب وجهة نظرها،  هدفها الرئيسي  وقف الهدر وعمليات التهريب لمادة المازوت إلى دول الجوار، على  اعتبار أن الأسعار لدى تلك الدول تتجاوز الأربعة أضعاف للسعر المعمول به ، وبالتالي تم التوصل في ذلك الوقت بعد زيادة أسعار مادة المازوت إلى استخدام  نظام  قسائم المازوت، التي تغيرت  لاحقاً وباتت على البطاقة الذكية كما المعمول بها الآن، وبما  أن السلطات السورية، عادة ما تضع شماعة مبرراتها، على تهريب  مادتي المازوت  والبنزين من سوريا  إلى دول الجوار، إلا أن هذه الظاهرة  لم تكن عابرة وبريئة، في ظل غياب الجاني الحقيقي، بل تجلى الحديث عن ظاهرة التهريب، بمقاربات غير واضحة في تحديد الجهة التي تقف وراء التهريب للمشتقات النفطية، التي أعلن عنا بشكل واضح منذ عام 2005 عبر شركة المؤسسة العامة لتوزيع المشتقات النفطية «محروقات» التابعة لوزارة النفط السورية، ونقابة النفط لعمال دمشق، فصدر  العديد من التقارير  عن ظاهرة التعدي على المشتقات البيضاء (بنزين ومازوت ) التي قامت بها   عصابات مسلحة، على حد تعبير السلطات الرسمية،  تركزت عملياتها في المنطقة الممتدة  ما بين مصفاة حمص(وسط سوريا ) ومحطة عدرا (ريف دمشق) وعلى مسافة تتجاوز  165 كم ،حيث تتضمن في تلك  المسافة أنبوبي نقل المازوت والبنزين ،الماران بنحو 17 منطقة وقرية، وتتمركز  غالبية خطوط أنابيب توزيع المشتقات النفطية في تلك المنطقة المخصصة لنقل مادتي البنزين والمازوت، وبما أن ظاهرة التهريب لم تتوقف وكان يقف وراءها جهات رسمية عالية المستوى، حاولت السلطات السورية أن تبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها، وإلهاء الناس عن الجهة التي تقف وراء التهريب، حينها صدر تعميما في عام 2008 من وزارة النفط السورية، يخص مدينة دمشق وضواحيها، وتضمن التعميم فتح سقف مخصصات الوقود لكافة المحطات في مدينة دمشق ووضع سيارات التوزيع المباشر بحال الاستعداد الدائم لبيع المواطن بشكل مباشر أمام المحطات وفي الأحياء المزدحمة،  ربما للوهلة الأولى تبادر للمواطن السوري في ذلك الوقت  أن الأزمة في طريقها إلى الحل في مدينة دمشق، بعد فتح مخصصات محطات الوقود الخاصة، بعيدا عن المحطات الحكومية، إلا أن شهية أصحابها ومن يقف ورائهم، عملوا على احتكار المادة وتهريبها خارج حدود الدولة السورية، علماً بأن 1.5 مليار ليتر سنوياً من المازوت كانت تهرّب سنوياً إلى بلاد الجوار وخاصة لبنان، وكانت حكومة رئيس الوزراء الأسبق محمد ناجي عطري ، قدرت  استهلاك سوريا من مادة المازوت في عام 2008  بحوالي 10 مليارات ليتر سنوياً، حيث تستورد  سوريا ما نسبته  55 في المئة من المشتقات النفطية لتغطية استهلاكها المحلي، بينما احتياجات القطر السوري  من مادة المازوت ،كانت   تأتي من مصدرين أساسيين: إنتاج محلي في مصافي القطر (بانياس وحمص) وبنسبة 52%، ومستوردات من الخارج بنسبة 48%، وهذه المادة  تعد من أهم المواد الأكثر استعمالاً في جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية في سورية . إذ يتم استخدام 45% منها للنقل والمواصلات، و35% للتدفئة، و8% للزراعة، و6% في القطاع الخدمي والصناعي، إذا فأزمة المحروقات في سوريا ، لم تنشأ مع بداية الأحداث في عام 2011، بل هي أزمة متأصلة منذ سنوات عديدة كما أشرنا سابقا، علاوة على أن موازنة النفط السوري، لم تكن  أرقامها الإحصائية دقيقة في دخولها الموازنات العامة للحكومات السورية المتلاحقة،(1)

خريطة تظهر توزع ابار النفط والغاز ومواقع القواعد الاميركية في شمال شرق سورية

صدمات القطاع النفطي

قبل اندلاع النزاع في سوريا كانت صادرات قطاع الصناعات الاستخراجية هي المصدر الرئيسي للقطع الأجنبي وإيرادات الموازنة العامة للدولة ، وكانت الصدمة الأولى التي تلقاها القطاع هي انسحاب الشركات الأجنبية في أعقاب فرض العقوبات على هذا القطاع في عام 2012 ، وقاد ذلك إلى تراجع في الإنتاج من 386 ألف برميل يوميا إلى ما يقارب 170 ألف برميل في عام 2012 ، كما أدى تفاقم النزاع المسلح وغياب الأمن إلى الصدمة الثانية وحصول تراجع في الإنتاج إلى مستوى متدن بلغ 17 ألف برميل يوميا في الربع الأخير من عام 2013 ، بينما الصدمة الثالثة ارتبطت باستعمال الثروات الباطنية كرأسمال للأطراف المسلحة التي سيطرت على مواقع الاستخراج والتكرير، وكانت الحاجة الأطراف المتنافسة إلى مصادر للإيرادات ، فقد ظل إنتاج الذي تسيطر عليه السلطات السورية من النفط عند حدود 10 آلاف برميل يوميا بين العامين 2014 و2016 ، ثم ارتفع إلى 29 ألف برميل في عام 2017 و43 ألف برميل في عام 2018ى و44 ألف برميل في عام 2019 ، ويمكن أن نعزي هذه الزيادة الملحوظة من خلال الحصول على النفط من خلال مناطق الإدارة الذاتية، وطرد تنظيم داعش ، حيث اعتمدت الإدارة الذاتية للأكراد على إيرادات النفط المستخرجة من الحقول الواقعة من المنطقة الشرقية في سوريا ( بالاستناد إلى المركز السوري لبحوث السياسات) حيث يعتبر النفط مصدرا أساسيا لإيرادات الإدارة الذاتية ، وتتبادل الإدارة الذاتية جزءا من النفط الذي تنتجه مع المناطق التي تسيطر عليها السلطات السورية والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، أما ما تبقى من هذا النفط الخام فيذهب لتغذية المصافي الواقعة في المنطقة الشرقية والمسؤولة عن إحداث الكثير من التلوث ، وإنتاج المشتقات النفطية غير الآمنة،  توزع في عموم سوريا عبر شبكات اقتصاد النزاع.(2)

فيديو يظهر اأكراداً سوريين يكررون النفط في ريف الحسكة(اف ب)

شبكات اقتصاد النزاع

وكان من أبرز أسماء شبكات اقتصاد النزاع في سوريا، تصدر اسم عائلة  “القاطرجي” من ضمن قائمة “حيتان المال” خلال سنوات الحرب الأخيرة في سوريا، فالأشقاء الثلاثة، محمد براء وحسام ومحمد آغا، هم أصحاب “مجموعة القاطرجي الدولية” والتي تنبثق عنها شركات عدة، أبرزها “شركة جذور للزراعة والثروة الحيوانية” و”شركة القاطرجي للتجارة والنقل” و”شركة الذهب الأبيض الصناعية” و”شركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري” إلا أن تأسيس محمد براء القاطرجي، لشركة “أرفادا البترولية” برأسمال مليار ليرة سورية  في آذار 2018، جعل لاسم العائلة صدى دوليًا أقلق الولايات المتحدة ودولًا غربية عدة، حين أصبح براء “عراب” الصفقات النفطية بين النظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية” المصنف إرهابيًا،  كما سبق وأن وجهت تركيا التهمة ذاتها لآل القاطرجي حتى قبيل تأسيسهم للشركة النفطية، إذ نقلت وكالة “الأناضول” التركية، في تموز 2017، أن النظام السوري يتقاسم عائدات النفط مع حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) في الحسكة، إذ يشرف الطرفان على إدارة تسعة حقول للنفط، ثلاثة منها نشطة، في إشارة إلى حقول رميلان وسويدية وقرة جوق، ويستخرج منها بين 30 و35 ألف برميل نفط يوميًا.(3)

ووفقاً لبيان لوزارة العدل الأميركية – سبتمبر 2018- بين أن قاطرجي أشرف  منذ عام 2014 على شبكة وساطة بين السلطات السورية  وداعش لشراء النفط من مناطق سيطرة التنظيم، وعقد صفقات كذلك معه تشمل تبادلاً تجارياً لمختلف البضائع، ومنها المحاصيل الزراعية واللوازم اللوجستية، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة “القاطرجي” النفطية في سوريا، لتزويدها حكومة النظام السوري بالنفط (بحسب البيان)

خط الائتمان الإيراني

وبما ان أسباب أزمة المحروقات في سوريا، لم تكن قضية عابرة ، بل أزمة لها تفرعات كثيرة، وعوامل داخلية وخارجية،  تأزمت بشكل أكثر وضوحاً   خلال شهري سبتمبر و أكتوبر من العام الجاري 2020 ، إلا أن وفق المعطيات الحالية، على ما يبدو أن الأزمة مستمرة والحلول غير واضحة المعالم ، فإنتاج سوريا  من النفط بلغ  24 ألف برميل يوميا، -نهاية عام 2019- وفق تصريحات صدرت عن وزارة النفط وعلى لسان مدير التخطيط والتعاون الدولي بالوزارة  محمد جيرودي، وهو جزء قليل جدا من باقي إنتاج النفط الخارج عن سيطرة الدولة​، بينما حاجة سوريا الفعلية   نحو 100 ألف برميل من النفط الخام يوميًا، في حين يتوافر حاليًا بين 20 إلى 24 ألف برميل فقط،  وبذلك تكون الحاجة إلى استيراد أكثر من 80 ألف برميل نفط يوميًا، طبعا هذا لا يعني أن سوريا ، تعيش أسوأ حالاتها اليوم في ندرة توفر  المادة، بل  أن فجوة الأعوام لما بعد 2012  كانت إمدادات النفط،  للسلطات السورية، غير ثابته ومتأرجحة، ولا تلبي احتياجات السوق المحلية ومتطلبات  الشعب السوري، إلا أن مساعدات الدعم في توفير جزء من حاجة السوق المحلية، كانت تأتي من إيران، عبر اتفاق بين الطرفين   في كانون الثاني 2013 و فتح خط ائتماني بين المصرف التجاري السوري وبين بنك تنمية الصادرات الإيراني بقيمة مليار دولار بفوائد ميسرة، وفي أيار من العام نفسه كشف حاكم مصرف “سوريا” المركزي حينها “أديب ميالة” عن تقديم “إيران” خط ائتماني آخر لـ”سوريا” بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته، حيث  ينص اتفاق خط الائتمان النفطي الذي أبرم سابقا  على تزويد سوريا بمليوني برميل شهرياً، إلا أن السؤال ما الثمن الذي تدفعه سوريا ، لقاء هذا الخط ، كان الجواب واضحاً على لسان مستشار وزارة الاقتصاد الإيرانية ميثم صادقي، حين  ذكر في معرض نفيه لتوقف خط الائتمان النفطي الإيراني لأسباب مالية، أن خط الائتمان النفطي ينص صراحة على “تسديد الديون على شكل استثمارات إيرانية في الأراضي السورية”، وسبق لإيران في آذار/مارس 2019  أن أعلنت توليها إدارة المرفأ في اللاذقية، كما أن أيران قد وضعت عينها على آبار للغاز تم اكتشافها في البريج وقارة ودير عطية، تحوي على احتياطي غاز يقدر بـ20 مليار متر مكعب، وللمنطقة أهمية جغرافية أيضاً لإيران، فهي تتوسط سوريا وقريبة من الحدود اللبنانية، إلا  أن تعديلات  جوهرية طرأت  على  شروط خط الائتمان  النفطي الإيراني الذي كان يعد إلى حد كبير كجزء من حل أزمة المحروقات في سوريا، حيث ذكرت جريدة المدن الالكترونية في منتصف شهر يوليو 2019 حصولها على معلومات صادرة عن  مجلس الوزراء السوري ، تتحدث أن إيران فرضت على النظام السوري  إجراء تعديلات جوهرية على اتفاق خط الائتمان النفطي الموقع بينهما في العام 2013، كشرط أساسي لاستئناف تزويد سوريا بشحنات نفط إضافية،  وجاءت تلك الشروط بعد توقف إمدادات النفط الإيراني لفترة تزيد عن ستة شهور، حين  شهد خلالها الشارع السوري أزمات نفطية خانقة، تبعتها حزمة إجراءات تقشفية، وزيادة كبيرة في أسعار المشتقات النفطية، وتركزت  أهم التعديلات في الجانب المالي عن طريقة  سداد قيم شحنات النفط الواردة إلى سوريا من إيران، وأزمنة استحقاقها، كما اشتملت التعديلات على إخلاء مسؤولية الجانب الإيراني مالياً عن مصائر الشحنات النفطية في البحر في حال تعرض الناقلات لأي من الحوادث كالغرق أو الحريق، أو الاحتجاز نتيجة العقوبات المفروضة، ومن خلال ذلك تكون مسؤولية الجانب الإيراني، وفق التعديلات الجديدة، باتت تقتصر على تزويد الناقلات المتجهة إلى سوريا بالنفط من الموانئ الإيرانية، وتضاف قيم الشحنات النفطية إلى ديون خط الائتمان من لحظة انطلاقها من إيران، بغض النظر عن مصيرها اللاحق أو عدم وصولها إلى الشواطئ السورية  (4)

إذا هذه  التعديلات التي لم يعلن عنها رسميا، عبارة عن عملية ابتزاز واضحة للسلطات السورية، من قبل الجانب الإيراني، بعد تنصله من أي تبعات قد تحدث، عند  شحن  النفط إلى سوريا ، طبعا هذا الإجراء الذي اتخذته إيران لم يكن نزيهاً ، وهي تعلم أن عقوبات  قانون قيصر ستدخل قيد التطبيق بعد أشهر من قراراتها الأخيرة، وخصوصاً بعد تزايد العقوبات الأميركية على الجانب الإيراني ،و رغبة إيران في الحد من خسائرها وتحميل “البعض” منها للجانب السوري، الذي اعترف الأخير من خلال  وزارة النفط السورية في تقرير لها في شهر ابريل 2019 ، تم نشره عبر صحيفة الوطن السورية، واستعرض  التقرير أسباب أزمة البنزين التي تعيشها البلاد في تلك الفترة ، وأرجعت أسبابها إلى  تاريخ توقف الخط الائتماني الممنوح من طهران لدمشق في نهاية عام 2018 ، ما فرض على السلطات السورية توفير سيولة مالية لتأمين احتياجاتها من مادة البنزين وتغطية الفجوة الكبيرة التي تركها توقف الخط، حيث تحتاج سوريا ما لا يقل عن 4.5 مليون لتر من البنزين، و6 ملايين لتر من المازوت، و7000 طن من الفيول، و1200 طن من الغاز، أي أن الحكومة تحتاج إلى فاتورة مالية يومية تقدر بنحو 8 ملايين دولار، وهذا غير ممكن تحقيقه من خزينة الحكومة السورية، لذلك كان لها محاولات عديدة العام الماضي، لتأمين  موردين من القطاع الخاص وطلبت منهم إبرام العقود وتأمين المشتقات النفطية، لكن هذه الخطوة تعثرت لأسباب لوجستية، كما لجأت وزارة النفط السورية إلى إبرام عقود برية وبحرية وجوية، لكن هذه المساعي باءت بالفشل، فالحديث عن العقود مع الأردن بعد افتتاح المعابر كأنه لم يكن بسبب التدخل الأمريكي المباشر الذي أعاق أكثر من عقد، أما العراق فيواجه صعوبات اقتصادية والإمدادات القادمة منه غير كافية لتأمين احتياجات سوريا من المحروقات.(5)

الصادرات النفطية الإيرانية

وفي ظل أزمة المحروقات التي تعيشها سوريا، كانت التصريحات الرسمية للسلطات السورية دائما ، تصب في منحى متفائل تجاه الجانب الإيراني  لوقت قريب، باعتباره اللاعب  الرئيسي في معادلة النفط ، وحتى شهر ابريل من العام الجاري 2020 ، كانت الإحصاءات تشير إلى أن شحنات النفط الإيرانية إلى سورية قد بلغت ذروتها، بحسب تقرير مترجم عن الموقع اﻷلماني DW  فارسي، حين أكد ان السلطات السورية اعتمدت  خلال السنوات الماضية اعتمادًا كبيرًا على واردات النفط الإيرانية، وبسبب العقوبات الأوروبية والأميركية ضد الحكومة السورية، كانت إيران وحدها هي من تمدّه بالنفط، طوال سنوات عدة،  فقبل تسع سنوات، كانت سورية تنتج 390 ألف برميل من النفط يوميًا، وتصدّر 150 ألف برميل، لكن في الآونة الأخيرة، أظهرت إحصائيات شركات تتبع ناقلات النفط ومعلومات الطاقة، مثل كلبر وتانكر تركرز، أن إيران كانت تسلّم 45 ألف برميل من النفط يوميًا إلى سورية في عام 2017، وذلك قبل أن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفي عام 2018 بلغ الإمداد نحو 35 ألف برميل، وفي العامين 2018-2017، كان إجمالي النفط الإيراني الذي تم تسليمه إلى النظام السوري أقلّ من 2 % من إجمالي صادرات إيران النفطية، أما في عام 2019، عندما اشتدت العقوبات الأميركية على إيران، فقد سلّمت إيران 59 ألف برميل من النفط يوميًا إلى سورية، وهو ما يعادل 8 % من إجمالي صادرات إيران النفطية ذلك العام، وفي 29 نيسان/ إبريل 2020، أظهرت تقارير إعلامية عديدة أن إيران ضاعفت من صادراتها النفطية إلى سورية ثلاث مرات، على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة عليها، حيث وصلت شحنات عدة إلى ميناء بانياس السوري الذي رست فيه سفن إيرانية تحمل أكثر من 6.8 مليون برميل من النف

إلا أن هذا الوضع لم يستمر كثيرا، بعد اشتداد العقوبات الأمريكية والغربية على سوريا، حيث بدأت أزمة المحروقات تطفو على السطح بشكل واضح وجلي مع بداية دخول عقوبات قانون قيصر حيز التطبيق.(6)

طوابير البنزين والازمات التي لا تنتهي

قانون قيصر

ومع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في يونيو الماضي 2020 ، فقد حددت  عقوباته  الكيانات التي تعمل لصالح النظام السوري  في أربعة قطاعات، هي: النفط والغاز الطبيعي، والطائرات العسكرية، والبناء والهندسة، والبضائع والخدمات والتكنولوجيا، ولم يمضي شهرين على  تطبيق  عقوبات قانون قيصر، حتى اشتدت  أزمة الوقود على السوريين  بشكل كبير حتى وصلت إلى مستوى خانق، وشلت حركة النقل، وبدأت طوابير طويلة من السيارات أمام محطات الوقود تجتاح المدن السورية، وفي ظل هذه الأزمة الخانقة، وتحميل السلطات السورية  للولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية  التي تفرض حصاراً على سورية وتحتل حقول النفط شمال شرق سورية بالتعاون مع القوات الكردية، سارعت وزارة النفط السورية بالإعلان  على لسان وزيرها، واعتبرت أن سبب الأزمة الخانقة التي تشهدها سوريا  في نقص مادة البنزين سببها الحصار الأمريكي إنتاجا وتوريدا، إضافة إلى توقف مصفاة بانياس للصيانة، إلا أن كلام وزير النفط السوري لم يعرج على أن تفاقم أزمة المحروقات، تختصر بهاذين  الجانبين فقط ، فالعقوبات الأمريكية والغربية  على النظام السوري، بدأت قبل أكثر من أربع سنوات، و لم تصل أزمة المحروقات، إلى ما هي عليه الآن ، فالانهيار بدأ  لأسباب عدة أيضاً يمكن أن تضاف على الأسباب السابقة، وكان  أبرزها أزمة  فيروس كورونا والإغلاقات العامة، وأزمة لبنان المالية، حيث تعتبر لبنان بوابة رجال الأعمال والمسؤولين السوريين والآن باتت مليارات الدولارات المملوكة لسوريين محتجزة في مصارف لبنان بعد فرضه قيودا على حساباتهم، في وقت كان عدد من رجال الأعمال  السوريين، يستوردون المحروقات، عبر شركات خاصة، كانت تتحايل على العقوبات الاقتصادية، قبل نفاذ قانون قيصر، كما ان النزاع الأخير بين الرئيس السوري بشار الأسد وابن خالته رامي مخلوف، أحد أكبر أثرياء سوريا، ساهم في انخفاض قيمة الليرة السورية،  ولكن يبقى  السبب الرئيسي في كل ما أسلفنا ذكره، يصب في خسارة  السلطات السورية  مصدرا رئيسيا  للدخل لسد جزء من احتياجاتها من المحروقات، وهي خروج حقول النفط، عن سيطرتها في المنطقة الشرقية، بالمقابل نجد أن الجانب الروسي ما يزال خارج المعادلة في مساعدة السلطات السورية، على تجاوز أزمتها من المحروقات، فما يرشح من معلومات عن الجانب السوري، لا يتعدى إطار  التعاون الفني والاستشاري، بينما يبقى اللاعب الرئيسي في تفاقم الأزمة الحالية، هو  قانون قيصر لأنه يستهدف بالدرجة الأولى  قطاع الطاقة الذي  يرتبط بعدد كبير من القطاعات الإنتاجية التي ستتعطل بالتبعية، وتزيد من حدّة التدهور الاقتصادي. وكانت الليرة السورية قد فقدت نحو 70 في المئة من قيمتها منذ شهر أبريل الفائت، فقد كان سعرها أواسط الشهر الماضي نحو 1600 ليرة سورية مقابل الدولار، وتراجعت إلى حدود 3000 ليرة قبيل أيام من صدور القانون، إضافة إلى عوامل أخرى سهمت  في هذا الانهيار أبرزها الصراع بين رجالات النظام (7)

رفع أسعار المحروقات

إن حقيقة الاقتصاد السوري بالأصل قبل الثورة هو اقتصاد منهك بشكل كامل، جاءت الأحداث السورية لتكشف عيوبه بشكل أكثر وضوحاً،  و الحقيقة الآن نحن  أمام حالة انهيار كامل للاقتصاد السوري ، ومؤشراته الحالية  كارثية، ومخيفة وهذا الي جانب أحد المشكلات الرئيسية وهي ضعف كفاءة الإدارة “إدارة الدولة وإدارة الاقتصاد والحكومة التي تدير الاقتصاد” لذلك ما يصدر من وعود هذه الأيام عن انفراج وشيك لأزمة البنزين بعد انتهاء عمرة  مصفاة بانياس ،  وإنهاء عمليات الصيانة لوحدات إنتاج البنزين لا يعكس حقيقة الواقع على الأرض حيث ما تزال طوابير السيارات شاهد عيان على تفاقم الحالة المتردية ، لقطاع المحروقات في سوريا ، ومحاولة السلطات السورية إيجاد حلول إسعافيه، لتحقيق انفراج للأزمة ولو معنوي، سواء من خلال تخفيض مخصصات المؤسسات الحكومية ومخصصات الأفراد وغيرها من الإجراءات وعود لا تطعم خبزا ، بدليل أنها لجأت مؤخرا إلى سياسة تحرير أسعار المحروقات جزئيا،  وباشرت برفع سعر ليتر المازوت الصناعي والتجاري الحر إلى 650 ليرة سورية وليتر البنزين أوكتان 95 إلى 1050 ليرة. ويأتي رفع سعر المحروقات بعد أيام قليلة من تزويد إيران السلطات السورية  بنحو مليون برميل نفط خام عبر ناقلة نفط إيرانية توقفت قبالة مصفاة بانياس،  وبررت السلطات السورية رفع سعر المحروقات بـسبب ما اعتبره “التكاليف الكبيرة التي تتكبدها الحكومة لتأمين المشتقات النفطية في ظل الحصار الجائر الذي تفرضه الإدارة الأميركية على الشعب السوري، وبهدف تأمين حاجة الصناعيين الفعلية من المازوت والحد من عمليات تهريب المادة إلى دول الجوار، بالمقابل نقلت قناة “الحرة” عن مصادر في المعارضة السورية أن روسيا أوقفت باخرة نفط، تابعة لأحد رجال الأعمال السوريين، كانت متجهة إلى دمشق، من أجل تخفيف أزمة الوقود التي تعانيها البلاد، وتحدثت المصادر عن ثلاثة أسباب مختلفة لإيقاف الباخرة: أولها يتعلق بأمور مالية وغرامات فأوقفتها السلطات الروسية، وثانيها، ضغوط على السلطات السورية  من أجل توقيع اتفاقيات اقتصادية مع روسيا، وثالثاً الضغط لتحقيق التقدم في العملية السياسية واللجنة الدستورية.

السيناريو المتوقع

إن  ما تم استعراضه من أسباب لأزمة المحروقات في سوريا، لا يعكس أي انطباع إيجابي، يصب في حلول قريبة، بل على العكس،  فالمعطيات تدلل على استمرار الأزمة، لأسباب كثيرة    أبرزها:  فقدان السلطات السورية، للكميات  القليلة التي كانت تصلها من مناطق إنتاج النفط التي تسيطر عليها القوات الكردية تحت إشراف أمريكي، كما أن دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، ساهم في تشديد الخناق على استيراد النفط من دول الجوار، حتى ولو توفرت السيولة المالية لتأمين احتياجات سوريا ولو جزئيا من مادتي البنزين أو المازوت،  لتغطية الفجوة الكبيرة التي تركها توقف الخط الائتماني الإيراني، فالحكومة السورية  تحتاج إلى فاتورة مالية يومية تقدر بنحو 8 ملايين دولار، وهذا غير متوفر، ضمن المعطيات الحالية،  كما لا يمكن إغفال تنصل  الإيرانيين عن مصائر الشحنات النفطية في البحر في حال تعرض الناقلات لأي من الحوادث كالغرق أو الحريق في ظل قرار الولايات المتحدة بمعاقبة السلطات السورية وحلفائها، وسعي الاتحاد الأوربي لفرض مزيد من القيود على حركة روسيا وإيران، والنظام السوري، عن طريق فرض  عقوبات اقتصادية تطال أدواتهم في المنطقة، إذا  السيناريو مستمر ما لم  تقوم روسيا بتغيير سياساتها ، وتتخلى فيها عن فرض رؤيتها بالكامل على سوريا، علاوة على عملها  في الحد من التوسع الإيراني  في سورية، وإدخال تعديلات فعلية على شكل النظام في دمشق، والحل السياسي الذي سيتم اعتماده  مستقبلا.

المراجع:

1-وهبة.محمد (2 ابريل 2008) صحيفة الأخبار، سوريا تجهد لمكافحة تهريب 1.5 مليار ليتر من المازوت المدعوم

2-المركز السوري لبحوث السياسات، سوريا العدالة لتجاوز النزاع، تقرير آثار النزاع السوري 2016-2019 

3-صحيفة عنب بلدي الالكترونية، (2018) محمد براء القاطرجي “عراب” صفقات نفط أغضب الأمريكيين. https://www.enabbaladi.net/archives/250552

4-حداد. وجيه، يوليو 2019، جريدة المدن الالكترونية (خط الائتمان النفطي: ابتزاز إيراني. والنظام يُذعن.

5-صحيفة الوطن، إبريل 2019 (مكاشفة غير مسبوقة حول النفط.) https://alwatan.sy/archives/195266

6-قدور. ضياء (أغسطس 2020) مركز حرمون للدراسات المعاصرة التكتيكات الإيرانية للتحايل النفطي.

7-مركز الإمارات للدراسات، 2020 (قانون قيصر: طبيعته وأهدافه وتداعياته المحتملة) https://epc.ae/ar/topic/the-caesar-act-nature-goals-and-potential-consequences

الوسوم
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق