هل القصف الإسرائيلي على سوريا يضر بالعلاقات بين موسكو وتل أبيب؟

في تقرير نشرته يوم 19 ديسمبر، تساءلت صحيفة “جيروزليم بوست” الإسرائيلية عن تأثير ضربات سلاح الجو الإسرائيلي ضد مواقع في سوريا على العلاقات بين موسكو وتل أبيب، لاسيما أن هذه الهجمات تصاعدت في السنوات الأخيرة، في وقت من غير المعروف بدقة في ما إذا كان هناك تنسيق حولها على مستوى القيادات العسكرية في البلدين.
في كانون الأول (ديسمبر) الجاري تعرض ميناء اللاذقية (غرب) لقصف بالطائرات، ورجحت تقارير غير رسمية أن الموقع المستهدف كان يحتوي شحنة عتاد عسكري إيراني إلى القوات السورية. وقالت الصحيفة إنه على الرغم من أن ميناء اللاذقية يعد بوابة حيوية لاستقبال مختلف أنواع البضائع، إلا أنه لم يتم اعتباره نقطة الاستقبال الرئيسية للأسلحة الإيرانية، ولم يتعرض للهجوم في الماضي.
ولعل أكثر ما أثار الاستغراب حيال هذه الضربة رغم أنها أعقبت مئات الضربات خلال السنوات الماضية على مواقع سورية، أن اللاذقية تضم مركز التنسيق الرئيسي بين الجيشين الإسرائيلي والروسي، لاسيما أن الأخير يسيطر على قاعدة حميم العسكرية على المتوسط.
في عام 1971 وفي إطار التحالف داخل ما كان يُسمى المعسكر الاشتراكي، منح الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد الإذن للاتحاد السوفياتي بإنشاء قاعدة عسكرية بحرية في مدينة طرطوس الساحلية، ما وجودًا في البحر الأبيض المتوسط وسهولة الوصول إلى قناة السويس.
ولتعزيز علاقتهما الوثيقة، وقعت سوريا والاتحاد السوفيتي معاهدة صداقة وتعاون عام 1980. ومن ثم مع الاعتراف بالاتحاد الروسي من قبل سوريا كخلف قانوني للاتحاد السوفيتي، بقيت تلك المعاهدة سارية المفعول حتى يومنا هذا.
تضيف “جيروزاليم بوست” أن هذه العلاقة الحميمة، التي ضمنتها اتفاقية، لعبت دوراً مهمًا في قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعم النظام السوري منذ بداية الصراع، ولاحقاً التدخل العسكري الروسي عام 2015 ضد الجماعات المسلحة”.
عندما تدخلت موسكو في القتال، كان مركز انطلاق العمليات الروسية من قاعدة حميميم الجوية، على بعد حوالي 24 كلم جنوب شرق مدينة اللاذقية. وخلال زيارة مفاجئة لحميميم في ديسمبر 2017، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أنه وقع اتفاقاً جديدًا مدته 49 عاماً مع الحكومة السورية. وكان من المقرر أن يتم توسيع القاعدة الجوية الروسية في حميميم، إلى جانب منشأتها البحرية في طرطوس، بحيث يمكن استخدامها من الآن فصاعداً “على أساس دائم”.
وعلى الرغم من أن إسرائيل نادراً ما تعترف أو تناقش مثل هذه العمليات، إلا أنها دائماً ما تقول إن غاراتها تستهدف منشآت وأسلحة إيرانية، مخصصة لدعم قوات الحكومة السورية أو حزب الله أو الميليشيات المدعومة من إيران. وفي الواقع نادراً ما تشن إسرائيل ضربات بالقرب من القواعد العسكرية والبحرية الروسية الدائمة في سوريا.
تضيف الصحيفة أنه “قد يبدو الوضع مقلقاً، مع احتمال خروجه عن نطاق السيطرة، لكن مع ذلك هناك نظام قائم يهدف إلى تجنب أي اشتباكات عرضية بين إسرائيل وروسيا في سوريا”.
في سبتمبر 2015، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوتين موسكو، وصرّح بأنه جاء بهدف منع سوء التفاهم بين الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية في سوريا، مشيراً إلى أنه وبوتين “اتفقا على آلية لمنع سوء التفاهم هذا”. لقد قرروا أنه لتجنب تبادل إطلاق النار عن طريق الخطأ في سوريا، سيتم تنسيق نشاطهم العسكري.
وقد تم تأكيد هذا التفاهم في أكتوبر الماضي، عندما التقى رئيس الوزراء نفتالي بينيت ببوتين في سوتشي، حيث اتفقا على أن الجانبين سيستمران في تنفيذ ما يسمى بـ “آلية عدم التضارب” التي تمنع القوات الإسرائيلية والروسية من الاشتباك في سوريا.
وذكرت وسائل الإعلام أن بوتين وافق على أن تحتفظ إسرائيل بحرية العمل في سوريا، لكنه طلب تحذيراً إضافياً يسبق شن أي من ضربات.
وخلصت “جيروزاليم بوست” إلى أنه على الأرجح، في ضوء التفاهم المشترك، كان لدى القوات الروسية علماً مسبقاً من المخابرات الإسرائيلية بشأن قصف ميناء اللاذقية، لكنها اعتبرت أن احتمال وقوع كارثة يكمن فقط في خطأ بشري، على غرار ما حدث في عام 2018، عندما قام المدفعية السورية، التي كانت تستهدف مقاتلات إسرائيلية تحلق في الأجواء، بإسقاط طائرة عسكرية روسية بدلاً من ذلك، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً كانوا على متنها.