أخبار سوريةإصدارات

بيان موقف من خطوات التطبيع العربي مع “دمشق”

الحزب الدستوري السوري (حدْس) بيان موقف من خطوات التطبيع العربي مع “دمشق”

على وقع الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير/ شباط الجاري (2023)، وهول الكارثة الإنسانية، من عشرات آلاف الضحايا، وملايين المنكوبين، خصوصاً ممن فقدوا بيوتهم، بادرت بعض الدول العربية إلى المضي خطوة إضافية نحو التطبيع مع سلطة الأمر الواقع في دمشق، من باب الاستجابة الإنسانية للكارثة، وإرسال دعم للمتضررين، وهو ما يعني التواصل والتنسيق مع سلطة الأمر الواقع في دمشق، وقد أتت تلك الخطوة من خلال زيارة أيمن الصفدي، وزير الخارجية والمغتربين الأردني إلى دمشق، وزيارة عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، والاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ببشار الأسد، وتصريحات فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، حول ضرورة وجود “نهج جديد حيال سوريا”، ومن ثم زيارة بشار الأسد إلى سلطنة عمان.

في ديسمبر/ كانون الأول 2018، أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق، مفتتحة بذلك مسار التطبيع مع دمشق، ومحاولة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، التي لم تجد دعماً حاسماً من بعض الدول العربية، حيث كان من المفترض أن تؤدي الجهود الجزائرية والإماراتية والعراقية إلى حضور سوريا قمة الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي. 

وسط هذه التطوّرات، فإن عدداً من الأسئلة المهمة، تطرح نفسها، أهمها:

  • هل تمضي هذه الخطوات نحو تطبيع عربي مع سلطة الأمر الواقع في دمشق؟ 
  • هل هذا التطبيع، فيما لو حصل، سيخدم المسألة السورية، إنسانياً، وسياسياً؟ 
  • هل هذا التطبيع ممكن من الأساس، في ظل الاوضاع المعقّدة في سوريا، ميدانياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً؟ 

إذا كان الجانب الإنساني هو ما يتمّ اتخاذه كذريعة لدى الدول الساعية للتطبيع، من أجل استعادة العلاقات مع دمشق، فإن الهدف الرئيسي يبقى سياسياً محضاً، ويتأسّس على رؤية، تنطوي على رغبة بطي صفحة ثورات الربيع العربي، وما أحدثته من خلل في المنظومة القديمة للأمن والاستقرار في المنطقة، وأسهمت في صعود تنظيمات متطرّفة إلى واجهة المشهد، وتدخّل قوى إقليمية ودولية، وذلك بحسب وجهة نظر هذه الدول. 

في محاولة للإجابة على الأسئلة المطروحة، لا بّد من التذكير بعدد من الحقائق الموضوعية، وهي: 

  1.  إن “النظام” الذي تسعى هذه الدول للتطبيع معه، هو اليوم إحدى سلطات الأمر الواقع، في سوريا المقسّمة، بين ثلاث سلطات أمر واقع واضحة، و سلطات أمر واقع أقلّ وضوحاً، كما في الجنوب السوري، وبالتالي، فإن استعادة العلاقات معه، وإضفاء الشرعية عليه، هو في الحقيقة، إضفاء شرعية على سلطة من هذه السلطات فقط، بينما المطلوب هو حلّ سياسي شامل. 
  2. هناك قرار أممي (2254)، بخصوص الحلّ السياسي في سوريا، وهو، على الرغم من كلّ الثغرات فيه، إلا أنه يمثل حلاً مقبولاً من معظم السوريين، ويمكن البناء عليه، وبالتالي، فإن خطوات التطبيع، بعيداً عن هذا القرار، هي عملية التفاف عليه، وإلغاء له، في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفضهما لأي تطبيع مع النظام. 
  3. الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سلطة الأمر الواقع في دمشق، تحتاج إلى عمليات إنعاش مالي كبيرة، ومن غير الممكن، كما هو معروف، ضخ أموال في البنك المركزي السوري، أو القيام بعمليات إعادة إعمار، أو استثمار في البنى التحتية، في ظل وجود عقوبات أمريكية وأوروبية على “النظام السوري”. 
  4.  بالنظر والتحليل، فإن سلطة الأمر الواقع مع دمشق، لم تعد قائمة كدولة، أو تتعامل بمنطق الدولة، واي ضخ للأموال، يعني تقديمها لمنظومة فساد متعددة الطبقات، ما سيعمل على امتصاصها، والدفع بالفتات إلى عامّة الناس، أي زيادة الهوّة الطبقية، أكثر مما هي قائمة اليوم، خصوصاً أن 90% من السوريين تحت خطّ الفقر. 
  5. أظهرت التجربتان اللبنانية والعراقية، أن أي حلّ لا يقوم على عوامل وطنية مستدامة، لا يشكل أكثر من هدنة مؤقتة، لكنه لا يلغي عوامل الصراع، بل يعيد تشكيلها، بشكل أسوأ، مما كانت عليه، وهو ما نطلق عليه وصفة “سلام ما بعده سلام”، أي السلام الذي يؤسس لحرب مستمرة بين مكونات وقوى المجتمع. 
  6. في عام 2011، انتهت الجمهورية الثانية، التي بدأت في عام 1963، ولا يمكن إعادة عقارب الزمن للوراء، فقد طالت البنى الاجتماعية السورية العديد من المتغيّرات، ولم تعد منظومة الأمن والولاء كما كانت عليه، ولا مشروعية النخبة الحاكمة، والجيش، الذي يفترض أنه مؤسسة حيادية، تمّ الزج به في الصراع، واليوم لدينا قوى مسلحة عديدة في الساحة السورية. 
  7. القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في سوريا، مباشرة أو بالوكالة، لن تسمح بتمرير تطبيع لا يخدم مصالحها، وبالنظر إلى مستوى التداخل والتعقيد الموجودين، فإنه يصعب تأمين توافق عام للمصالح والمواقف بين هذه القوى.
  8. إن ظهور القوى المتطرّفة في الساحة السورية، له أسباب عديدة، في مقدّمتها رفض النظام لأي حلّ تفاوضي، منذ بيان جنيف 1، وقد تغذّت القوى المتطرفة على واقع المظلوميات الموجودة، ولن يكون من الممكن تجفيف منابع هذا التطرّف، في حال استمرار المظلوميات السياسية القائمة.

موقف حزبنا من خطوات التطبيع، يتأسس انطلاقاً من الحقائق التي ذكرناها أعلاه، وقطعاً، نحن لسنا ضد تقديم مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال في سوريا، أو البحث عن حلول لتخفيف معاناة السوريين الإنسانية في كلّ جوانبها، لكن التطبيع في مساره الحالي هو تطبيع مجاني، من حيث انعكاساته السياسية، خصوصاً أنه يلتف على القرار الأممي 2254، ولن يكون من الممكن أن يقدّم سوى ريع مالي، لزيادة ثراء أمراء الحرب في سلطة الأمر الواقع في دمشق. 

إن إعادة بناء الدولة السورية من جديد، وإنتاج جمهورية ثالثة، غير ممكن من دون حلّ سياسي، له مقدّمات عملية، في ملفّات لا تقلّ إنسانية عن مساعدة متضرري الزلزال، فهناك ملف المعتقلين في سجون سلطة الأمر الواقع، الذي يتجاوز عددهم 131 ألف معتقل، من دون الإفصاح عن أوضاعهم، أو حتى عن وجود معظمهم. 

إن إعادة بناء الدولة، ونظامها السياسي، غير ممكن من دون أن يحظى هذا النظام بمشروعية من يحكمهم، أو أغلبيتهم، وأيضاً، شرعية أدوات الحكم نفسها، وهو ما لا يتوافر في الحالة الراهنة، إذ يوجد ملايين النازحين واللاجئين الهاربين من سلطة الأمر الواقع في دمشق، بسبب ممارساتها الوحشية ضدهم، واستمرار هذه السلطة باستخدام الأدوات ذاتها، التي تذلّهم، وتهدر كراماتهم. 

إن هذه السلطة، وفي مواقف وسلوكيات وملفّات محدّدة،  تمّ اختبار مواقفها الهدّامة لمنظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، ولذلك، فإن محاولة احتوائها، أو ترويضها، أملاً في استقرار منظومة الأمن في المنطقة، مجرّد وهم سياسي، كما أن استمرار سياسة إقصاء الشعوب من تقرير مصيرها السياسي، يعاكس روح التاريخ، ويمكن أن يأتي بإنجازات وهدنٍ مؤقتة، لكنه، يجعل من الثمن المدفوع لاحقاً أكبر بكثير من فوائد هذه الإنجازات المؤقتة. 

إن موقف حزبنا، أو غيره من الأحزاب الوطنية الديمقراطية العلمانية، قد لا يؤثر في سياسات الدول الساعية للتطبيع، لكنه ضروري من أجل الدفاع عن مصالح الشعب، بعيداً عن الأوهام، كما أن النضال من أجل التغيير هو مسار طويل، وإذا  كان السلام الأهلي مقدّمة من مقدّمات هذا التغيير، فإن السلام “الترقيعي” هو مكافأة مجانية لطرف فاقد للإجماع الوطني، ونسف لإمكانيات تحقيق سلام مستدام.

صدر بتاريخ 23-02-2023

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق