أخبار سورية

انقسام شعبي وثقافي وسياسي سوري إثر اغتيال نصر الله والحرب على لبنان

من تشييع ضحايا تفجيرات “البيجر”

“حدْس”- مجد إيراهيم:

بين مظاهر الفرح والحزن والحياد إزاء النكبات التي آلمّت ب”حزب الله” اللبناني، والتي بدأت باغتيال القيادي فؤاد شكر، مروراً بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكية، ومقتل أمينه العام حسن نصر الله، ومن لحقه من قادة بارزين، خصوصاً المرشّح الأبرز للأمانة العامّة للحزب،  هاشم صفي الدين،  تتكشف مرة أخرى مدى حالة الانقسام وعمقها في الشارع السوري، وكيف أن الحرب السورية لم تترك مجالاً لأي موقف يظهر وحدتهم، بل أن مقتل نصر الله زاد من حجم هذا الشرخ، وأظهر من جديد حجم التباين من المواقف السياسية.

وباعتباره الحدث الأبرز في الحرب التي شنتها  إسرائيل مؤخراً على لبنان، أثار اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني موجة عارمة من ردود الأفعال المتباينة في الشارع السوري، أظهرت حجم الهوّة الكبيرة بين مواقف السوريين تجاه الحزب، الذي دخل ميدان الصراع العسكري السوري،  فقد سارع قسم منهم إلى التعبير عن فرحه باغتيال نصر الله، في الوقت الذي نعاه كثيرون، بوصفه بطلاً من أبطال المقاومة، وأبدوا حزنهم، وبين الطرفين، تجاهل قسم كبير ، خصوصاً ممن يعيشون في مناطق النظام، حدث الاغتيال،  من دون إظهار أي مشاعر فرح أو حزن.

ما وراء الفرح والشماتة

الأصوات التي عبّرت عن فرحها باغتيال “نصر الله”،  يمكن تصنيفها ضمن شريحتين مختلفتين في التوجه والتفكير،  الأولى نظرت إلى الأمر من منظور طائفي باعتبار نصر الله وحزبه من  “الطائفة الشيعية”، التي تناصب أهل السنة الكره والعداء.

 ورأت الثانية، وهي الشريحة الأكبر،  في “نصر الله” وحزبه، أنهما  من أبرز أسباب مآسي السوريين، بعد دعم الحزب النظام السوري في عام 2012، وكان له دور كبير في عمليات قتل السوريين، و تهجير مئات الآلاف منهم، ما جعلهم ينظرون إليه كجزء أساسي من آلة القمع، التي ساهمت في تدمير مدنهم وتهجيرهم.

ومنذ الدقائق الأولى من إعلان اغتيال نصر الله رسمياً، خرج الكثير من السوريين إلى الشوارع لإقامة الاحتفالات ابتهاجاً وفرحاً ، وذلك في مناطق سيطرة المعارضة، الخاضعة ل”هيئة تحرير الشام”، والفصائل الموالية لتركيا وغيرها، تخللها إطلاق نار كثيف في الهواء استمر لساعات، ووزّع البعض الحلويات في الشوارع على المارة فرحاً. في حين كانت مواقع التواصل الإجتماعي ميداناً رحباً للتعبير عن مشاعر الفرح والتشفّي من خلال الآراء والتعليقات والمباركات، بينما أعاد ناشطون سوريون تسليط الضوء على كمية المجازر والانتهاكات التي ارتكبها الحزب في سوريا، وبثوا فيديوهات لسنوات خلت، تظهر صواريخ “حزب الله”، وهي تسقط على منازل السوريين، مصحوبة بعبارات السخرية والشماتة لأحد إعلامي الحزب.

وفي موقف سياسي، يشكّل تماهياً مع الحالة السائدة بين جمهور الشامتين، انضمت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إلى جوقة الفرحين والمهللين باغتيال نصر الله، حيث جاء في بيان لها، إنها تلقّت “كما الشعب السوري الحر، وسائر الأحرار في الوطن العربي والإسلامي، المكلوم بنار المشروع العدواني الإيراني الطائفي البغيض، بعظيم الفرح والسرور، نبأ هلاك المجرم حسن نصر الله، زعيم تنظيم حزب اللّٰه الطائفي اللبناني، ومجموعة أخرى من قيادات الحزب الوالغ بدماء الشعب السوري”.

واعتبر بيان الجماعة أن هذا الموقف يتّسق تماماً مع أدبيات الجماعة، ومواقفها ضد “البغي والعدوان الطائفي على شعبنا السوري، الذي رعاه نظام إيران طوال الفترة الماضية، والتي كان حزب الله محرّكاً أساسياً فيها”.

وفي بيان مشابه تقريباً، قال المجلس الإسلامي السوري، إن “فرح الشعب السوري بهلاك المجرم حسن نصر الله وقادة حزبه المجرمين، جائزٌ وله ما يبرره شرعاً وأخلاقاً”، لأن “الشعب السوري لا يمكن أن ينسى من قتلوا الأطفال والنساء بحصارهم جوعاً وعطشاً، وذبحاً بالسكاكين”، وأضاف البيان، أن الشعب السوري كان يود “أن يكون الثأر لهؤلاء الأبرياء المكلومين من أولئك المجرمين على يده، لكن الله شاء أن يسلّط على الظالمين ظالماً مثلهم، وفي ذلك عبرة للطغاة والظالمين جمييعاً”.

سوريون مفجوعون باغتيال “سيد المقاومة”  

أما في مناطق سيطرة النظام السوري، كان الوضع مختلفاً بشكل كبير. فقد أظهر كثيرون حزناً شديداً على اغتيال نصر الله، أو من يصفونه ب”سيد المقاومة” ، إذ رأى موالو النظام أن “حزب الله” كان عاملاً حاسماً في دعم قوات النظام في محاربة الجماعات التي يصفونها بـ”الإرهابية”، مثل تنظيم “الدولة الإسلامية،  و”هيئة تحرير الشام”، وغيرها من الفصائل المتشدّدة. حيث كان “نصر الله” يمثل لهؤلاء السدّ المنيع أمام توسع الإرهاب على حدّ وصفهم . في حين أعتبره البعض الأخر أحد أبرز دعائم المقاومة ضد إسرائيل، والدفاع عن القضية الفلسطينية.

وذكرت مصادر للإعلام الرسمي،  أن حالة واسعة من الحزن والحداد الرسمي والشعبي شهدتها مناطق سيطرة النظام عقب اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله، حيث أعلنت العديد من القبائل والعشائر الموالية للحزب في مناطق عدة، من مثل حلب وريف دير الزور وريف الرقة الحداد على مقتل “نصر الله”. وتضيف المصادر أن العديد من السوريين في مناطق جنوب دمشق ومناطق أخرى، أعربوا عن حزنهم العميق على اغتياله، مطالبين بالردّ الحاسم على إسرائيل.

وأظهرت منصات التواصل الإجتماعي في مناطق سيطرة النظام تعاطفاً وحزناً واسعين مع الأحداث التي تجري في لبنان، حيث وضع العديد من الأشخاص صورة حسن نصرالله بدل صورهم الشخصية على صفحاتهم الفيسبوكية ، في حين أطلق سوريون عدداً من المبادرات الجماعية والفردية عبر مواقع التواصل الأجتماعي، لتأمين المساكن والطعام والدواء وغيرها من الاحتياجات الرئيسية للنازحين اللبنانيين إلى سوريا.

سجالات فكرية حول المقاومة واليسار والطائفية

بعيداً عن ردود الأفعال الصريحة بالفرح والشماتة أو الحزن، خاض مثقفون وسياسيون سجالات فكرية وأيديولوجية، فقد كال البعض اتهامات ليساريين سابقين بالانحراف إلى الليبرالية، والوقوف مع الاستعمار، والابتهاج لأفعال “إسرائيل”، على الرغم من كونها تعبيراً صريحاً عن وحشية النظام الرأسمالي العالمي، والاحتلال المباشر، وجرى الاستشهاد بنصوص من الأدبيات الماركسية حول الطبيعة الخاصّة للدول غير الصناعية، وتداخل القضايا فيها،  ووصلت الاتهامات حدّ وصف من فرح باغتيال نصر الله بأنه “متصهين”، وأنه يريد إزالة النظام السوري، حتى لو كان البديل هو العدو “الإسرائيلي”.  

في المقابل، جادل مثقفون وسياسيون بأن “حزب الله” حزب طائفي، احتكر المقاومة في لبنان، بل أصبح مقاولاً لها، خدمة للمشروع الإيراني، وبأن هذا النوع من الأحزاب لا يمكن أن ينسجم مع تطلعات الشعوب إلى الحرية والدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وأن حربه مع “إسرائيل” لا تخدم لبنان، ولا القضية الفلسطينية، وأن خياراته منعت قيام الدولة الوطنية في لبنان، بعد أن عطّل الحياة السياسية، وأقام دولة داخل الدولة.    

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق